سورة النبأ
  
  فالله سبحانه وتعالى له الملك وحده {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}[الإنفطار: ١٩] هذا والكلام في قوله تعالى: {لَا يَتَكَلَّمُونَ} لا يختص بالشفاعة، ولكنها من معناه.
  (٣٩) {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ} وإن تساءّل عنه الجاهلون {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} المآب: المرجع الذي يؤوب إليه، أي يرجع إليه حين يرجع إلى الحياة في الآخرة، أو هو مصدر (آب) فالمعنى: اتخذ لنفسه في الدنيا أوباً إلى ربه في الآخرة، وأما اسم المكان فالمعنى: مئآباً عند ربه، كقوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}[القمر: ٥٥].
  والحاصل: اتخذ من الإيمان والعمل الصالح والتقوى ما يقربه إلى اللّه، فهذه مثل قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}[المزمل: ١٩] إلا أن السبيل في هذه الآية لم يذكر، وكفى في الدلالة عليه اتخاذ المئآب؛ لأن اتخاذه هو اتخاذ السبيل بعينه.
  (٤٠) {إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} الخطاب إما للمكلفين كافة، وإما التفات إلى الذين {يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} والعذاب القريب: هو عذاب جهنم المذكور سابقاً في هذه السورة، وهو قريب لأن الأجل في جنب دوامه كلا شيء والقرب والبعد من الأمور النسبية.
  {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ} أي الإنسان أو هو أعم {مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} ما عمل من المعاصي التي توجب له العذاب، أو هو عام للمعاصي وغيرها إلا أن اختصاصه بالمعاصي أوفق للسياق وتأكيد تسبيبه للعذاب بتأكيد نسبته إليه بقوله: {يَدَاهُ} {وَيَقُولُ الْكَافِرُ} ندماً {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} على أصلي الأول.