سورة النبأ
  صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ٣٨ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ٣٩ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ٤٠
  (٣٨) {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} يوم يقفون بين يدي ربهم منتظرين أمره و {الرُّوحُ} جبريل #، عطف عليه الملائكة، عطف العام على الخاص، مثل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ}[البقرة: ٢٨٥] {صَفًّا} مصدر بمعنى صفوف أو صافين صفاً {لَا يَتَكَلَّمُونَ} من هيبة ربهم وإجلاله؛ ولأن القول له ليس لهم أن يقولوا، بدليل قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} أي أذن له في الكلام ورضي القول الذي يقوله؛ لأنه حق وصواب، وهذا كقوله تعالى: {إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}[النجم: ٢٦] وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً}[طه: ١٠٩].
  وفائدة اشتراط الرضى، دفع توهم المشركين أن شركاءهم يشفعون لهم لمشاركتهم في الملك بزعمهم، وقوة مكانتهم عند اللّه بزعمهم، بحيث أنه في ظنهم يشفّعهم على كل حال؛ لأن لهم في ظنهم نفوذاً يخوّلهم ذلك، فرد اللّه عليهم، وبين لهم: أن الملائكة {لاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء: ٢٨] وليس لأحد أن يشفعه اللّه لمكانته، ولو شفع فيما لا يرضاه اللّه أو لو شفع شفاعة لا يرضاها، وإنما يأذن بها إسعاداً وهو كاره، كما يحتاج الملك إلى تشفيع وزيره في بعض الحال فيما لا يرتضيه، حفاظاً على مكانته في نفس الوزير.