سورة النازعات
  
  وإما أن تكون مدة اللبث هذه هي مدة لبثهم في القبور، فيكون المعنى: أنهم حين يبعثون، وفي أول ما يرون القيامة ويعلمون أن قد قامت يستقلون المدة الماضية من حين ماتوا حتى بعثوا.
  وهذا رد على من يستعجلها ويسأل {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} استعجالاً لها، كأنه قيل: لا تستعجلوها، فإنكم يوم ترونها تكونون في استقلالكم المدة الماضية من حين متم كأنكم لم تلبثوا {إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} لا يكون في نفوسكم أي استطالة لمدة اللبث بل العكس.
  ويشكل على هذا: أنه ليس في الآية تحديد لأول مدة اللبث من حين ماتوا، كما أنه يشكل على الأول: أنه ليس في الآية تحديد لغاية اللبث حتى ماتوا فالأولى الجمع، وهو أن يكون المعنى: كأن لم يلبثوا في حياتهم الدنيا وبعد وفاتهم إلى يوم القيامة إلا عشية أو ضحاها، وهذا يناسب قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[الروم: ٥٥ - ٥٦] وهو واضح في تحديد آخر المدة بالقيامة.
  فأما تحديد أولها، فيمكن أن يحتج له بقوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}[يونس: ٤٥] بناء على أن جملة {يَتَعَارَفُونَ} حال من {يَلْبَثُوا} وهو محتمل أنه حال من {نَحْشُرُهُمْ} وإن كان الأول أرجح لأنه أقرب، وقوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ}[الأحقاف: ٣٥] وهذا ظاهر الدلالة؛ لأن السياق في الكفار المكذبين لرسول الله ÷ وهم أحياء، ولا دليل على تقدير الموت هنا، والساعة: مدة قصيرة غير محددة في لغة العرب، فلا تنافي بين الآيتين؛ لأن العشية أو ضحاها يصح أن تعتبر ساعة لقلتها.