التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة النازعات

صفحة 383 - الجزء 7

  


  وإما أن تكون مدة اللبث هذه هي مدة لبثهم في القبور، فيكون المعنى: أنهم حين يبعثون، وفي أول ما يرون القيامة ويعلمون أن قد قامت يستقلون المدة الماضية من حين ماتوا حتى بعثوا.

  وهذا رد على من يستعجلها ويسأل {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} استعجالاً لها، كأنه قيل: لا تستعجلوها، فإنكم يوم ترونها تكونون في استقلالكم المدة الماضية من حين متم كأنكم لم تلبثوا {إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} لا يكون في نفوسكم أي استطالة لمدة اللبث بل العكس.

  ويشكل على هذا: أنه ليس في الآية تحديد لأول مدة اللبث من حين ماتوا، كما أنه يشكل على الأول: أنه ليس في الآية تحديد لغاية اللبث حتى ماتوا فالأولى الجمع، وهو أن يكون المعنى: كأن لم يلبثوا في حياتهم الدنيا وبعد وفاتهم إلى يوم القيامة إلا عشية أو ضحاها، وهذا يناسب قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ۝ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}⁣[الروم: ٥٥ - ٥٦] وهو واضح في تحديد آخر المدة بالقيامة.

  فأما تحديد أولها، فيمكن أن يحتج له بقوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}⁣[يونس: ٤٥] بناء على أن جملة {يَتَعَارَفُونَ} حال من {يَلْبَثُوا} وهو محتمل أنه حال من {نَحْشُرُهُمْ} وإن كان الأول أرجح لأنه أقرب، وقوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ}⁣[الأحقاف: ٣٥] وهذا ظاهر الدلالة؛ لأن السياق في الكفار المكذبين لرسول الله ÷ وهم أحياء، ولا دليل على تقدير الموت هنا، والساعة: مدة قصيرة غير محددة في لغة العرب، فلا تنافي بين الآيتين؛ لأن العشية أو ضحاها يصح أن تعتبر ساعة لقلتها.