سورة عبس
  
  فإن قيل: إن اللّه تعالى عقبه بقوله: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} والخطاب فيه للنبي ÷، فهو كالتتمة للإنكار عليه؟
  قلنا: هو توجيه للإنكار على العابس المتولي؛ لأنه عبس ممن ينتفع بالمجيء إلى رسول الله ÷ واستماعه إليه، بخلاف العابس من كبار قريش وتوجيه الخطاب إليه؛ لأنه هو الذي يعرف قيمة هذا التوجيه، بخلاف الكافر فعيبه من أول الكلام وارد في القرآن المنزل على رسول الله ÷ مبلغ إلى رسول الله ÷ ليسمع الإنكار على المتكبرين.
  ويفيد معرفة مكان المصغين إلى الرسول ÷، ونظيره قوله تعالى في (سورة الطلاق): {لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[آية: ١] ولم يكن المراد: أن رسول الله ÷ هو المطلق المأمور بالطلاق للعدة، ولكن لأن الكلام معه أنزل إليه، فخوطب بتعليل الحكم.
  ويؤكد أن العابس غير النبي ÷: اختلاف الكلام حيث لم يقل: (عبست) كما قال: {وَمَا يُدْرِيكَ} ومعنى {يَزَّكَّى} يصلح نفسه بالعمل الصالح، وذلك إذا سمع من رسول الله ÷ تعليماً للعمل الصالح أو ترغيباً فيه، ومعنى {أَوْ يَذَّكَّرُ} أو يتذكر ينتبه من غفلة {فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} التي هي الموعظة المنبهة له من الغفلة كقوله تعالى: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى}[الأعلى: ١٠].
  (٥) {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} أي من كفر فاستغنى عن الهدى؛ لأنه كاره له لا يريده.
  (٦) {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى} تتعرض له لتعليمه وإرشاده إلى الإسلام، وهو يرى أنه لا يحتاج له لكفره واستكباره.