التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة التكوير

صفحة 406 - الجزء 7

  


  وقوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} يفيد: أن من آمن بالقرآن واتبعه مستقيم سوي سليم من الاعوجاج، وأن المخالف له اعوج باعوجاج سبيله وعدوله عن الصواب.

  (٢٩) {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} أي ما يشاء كلكم أن تستقيموا لأن منكم من يتمرد ويجادل في آيات اللّه ويكذب بها، مع وضوح الحق وتبين أن القرآن آية خارقة لعادة الكلام في حسنه وحكمته، بحيث يُعلِم أنه كلام اللّه القادر على كل شيء؛ لأن البشر لا يأتون بسورة من كلام مثله في الحكمة والإتقان وعلو الدرجة في الحسن والإحكام، كما قد تبين واضحاً جلياً بعد عجزهم عن الإتيان بسورة من مثله.

  فالمجادلون فيه بعد ذلك المكذبون له جحوداً بما قد تبين لهم تمرداً وكبراً وحسداً واتباعاً لأهوائهم قد خذلوا، وسلطت عليهم الشياطين {تَؤُزُّهُمْ أَزًّاً}⁣[مريم: ٨٣] فصار بينهم وبين الإيمان به مسافات بعيدة ومراحل عديدة، فما يشاءون ذلك إلا أن يشاء اللّه أن ينزل عليهم آية قاهرة ملجئة إلى الإيمان فتظل أعناقهم لها خاضعين؛ لأنه رب العالمين الذي خلقهم فهو قادر على أن يفعل بهم ما يشاء ولكنه لم يشأ ذلك في الحال؛ لأن حكمته اقتضت جعل عباده في هذه الحياة في مقام اختبار، وهو يستلزم ترك العبد وما يختار حتى تنتهي مدة الاختبار ويريد اللّه إهلاك المجرم بعده أو إنزال العذاب عليه {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}⁣[غافر: ٨٥].

  وهذا على فرض أن قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ} كلام على جملتهم، ويحتمل: {وَمَا تَشَاءُونَ} أن تستقيموا لأن هوى أنفسكم يدعوكم إلى البقاء