التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة المطففين

صفحة 432 - الجزء 7

  


  الذي سيق له الكلام من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} وهو سعادتهم بنصرهم على أعداء اللّه الذين يستخفون بهم في الدنيا ويؤذونهم ويضللونهم، فالمؤمنون بنصرهم {يَضْحَكُونَ} وحق لهم أن يضحكوا وهم {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} لا يحتاجون لينظروا أن يتحولوا عن فراشهم الوثير، بل ينظرون من أمكنتهم، سواء كانوا في موقف الحساب أم في الجنة، إلى ماذا ينظرون؟! ينظرون إلى الكفار إما وهم يبكتون في الموقف ويؤمر بهم إلى النار ويساقون إليها، وإما أن يكونوا قد وصلوا الجنة.

  وهم ينظرون من غرفهم الواسعة الكثيرة الأبواب، ويرون من هناك إذا شاءوا أولئك {الَّذِينَ أَجْرَمُوا} وهم يعذبون في النار لينظروا هل ثوبوا، أي جوزوا بما كانوا يفعلون من التمرد والعدوان على أولياء اللّه، ونظير هذا التركيب قوله تعالى: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ}⁣[الملك: ٣] ونظير هذا المعنى في (سورة الصافات) في سياق نعيم أهل الجنة: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ۝ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ۝ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ..} إلى قوله: {.. فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ..} إلى قوله تعالى: {.. لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}⁣[الآيات: ٥٠ - ٦١] فهذا نوع من سعادتهم.

  وعكسه نوع من شقاء أعدائهم دل عليه قوله تعالى: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ ۝ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ۝ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ۝ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}⁣[المؤمنون: ١٠٨ - ١١١].