التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة القدر

صفحة 537 - الجزء 7

  


  وتعدها بما تنزل به من أسباب ومعان تخفى علينا، وتؤدي ما يكون بطريق التسبيب أو التهيئة، فكأن الأمور التي ستكون في الأرض مصدرها السماء، ونزل منه في ليلة القدر ما نزل، فكان ابتداء نزول الملائكة من مصادر الأمور الحكيمة التي في السماء - والله أعلم.

  لكن يلزم على هذا: أن تكون نزلت منها لا أنها أنزلت منها، فمن أين دلت الآية على ما قلنا؟

  فالأقرب - والله أعلم - أن المعنى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ} أي في ليلة القدر؛ لأنه تفسير لها فلم يلزم ذكر ضميرها، وقوله تعالى: {وَالرُّوحُ فِيهَا} أي في الملائكة، ومعنى الروح: الخير والحياة والبركة الأمر الحكيم في الملائكة، كقوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}⁣[النحل: ٢] وبهذا لا يبقى إشكال في معنى {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} أنها للتبعيض، وهذا أحسن عندي من جعل {مِنْ} للتسبيب، أي بسبب كل أمر؛ لأنه ليس محل (من) التي للتعليل؛ لأنك لا تقول: جئت من الصلاة أي لأجل الصلاة، وإنما تستعمل في الدوافع النفسية، مثل: جئت من الخوف، أو فررت من السبع، أو جئت من الجوع ... من العطش ... من الحر ... من البرد، تعبت من العمل ... غضبت من الباطل، فما ذكرته أخيراً هو أرجح، وهو من تفسير القرآن بالقرآن.

  فالمعنى: أن الروح في الملائكة بإذن ربهم الذي جعله فيهم بحكمته فهي تتنزل في ليلة القدر، في حال كون الروح من كل أمر فيها بإذن ربهم - والله أعلم - والروح من كل أمر: هو خيره، وهو ما اقتضته الحكمة وأحكمه اللّه، فالروح من كل أمر هو الحكيم من كل أمر.