التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة البينة

صفحة 542 - الجزء 7

  تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ٤ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ٥ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ


  (٣) {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} أي في الصحف {كُتُبٌ} وهي الكلام المكتوب، {قَيِّمَةٌ} لاعوج فيها، وهي آيات القرآن الحكيم الذي أنزل وكتب ليبقى وتتوارثه الأجيال، فحاصل المعنى: يتلو آيات نزلت باسم كتب من حين أنزلت، ولذلك قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ}⁣[البقرة: ٢] فإسناد التلاوة إلى الصحف لهذا المعنى، وأسندت التلاوة إلى الصحف لتوصف بالطهارة تكريماً لها، مبالغة في تكريم الكتب، والأصل: يتلو ما في صحف مطهرة، وهو المجاز اللفظي مثل: سال الوادي.

  (٤) {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} لم يتفرقوا لا اليهود ولا النصارى {إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ} دلالة الحق {الْبَيِّنَةُ} التي لا تخفى على طالب الحق، فما تفرقوا لخفاء الحق، ولكن تفرقوا بغياً بينهم لأغراض سياسية، أو أهواء نفسية، قادت إلى بغي بعضهم على بعض، وتفرقهم: أنهم كانوا فرقاً متباينة متعادية مختلفة.

  (٥) {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} وكان من أسباب تفرقهم: أنهم أدخلوا في دينهم ما لم يؤمروا به بل هو مخالف له، كالغلو في عيسى وعزير الذي خرجوا به من الإخلاص لله، وكذلك التشبيه لله الذي جعل أهله يعبدون غير اللّه، ومعنى {حُنَفَاءَ} كما أفاده الإمام القاسم #: «مطيعين لله مستقيمين خاشعين - وزاد في موضع آخر في تفسير الحنيف - المحب».