سورة البقرة
  
  الوجه الثاني: أن يعتبر إرسال الشياطين والخذلان كالتسبيب لوجود المانع من دخول الإيمان في القلب، كما يقال: أفسد ولده، لمن أهمله ووفّر له ما يشتهي، فجعل ترك تأديبه وتعليمه مع توفير ما يشتهي إفساداً له منسوباً إلى أبيه.
  {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} وهذا معطوف على قوله تعالى: {عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي وختم على سمعهم، فكأن آذانهم مسدودة سداً محكماً يمنع سماع الإنذار والآيات، وهذا كقوله تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ}[هود: ٢٠] وهو تشبيه في المعنى بمن لا يستطيع أن يسمع كما صرح به في قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ...}[الجاثية: ٧ - ٨] ومثل قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا}[لقمان: ٧] وهذا لأنهم لأجل كراهتهم لآيات الله وإنذار الرسول ÷ وإصرارهم على رفضه والتكذيب يكون سماعهم لها لا يؤدي إلى ثمرة السماع التي تكون لطالب الحق السليم من الخذلان وإرسال الشياطين، فكأن سماعهم ليس سماعاً {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} فكأن إثبات الختم على سمعهم مجاز بهذا المعنى؛ لأن بينهم وبين الانتفاع بالسمع حائل وسد من كراهيتهم للسماع وإصرارهم على الكفر والتكذيب واستكبارهم.
  {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} وهذا مجاز كأنهم لا يبصرون؛ لأنهم لا ينتفعون بما يرونه من آيات الله التي تأتي على يدي رسوله ÷، بل كأنهم لا يرون رسول الله ÷ حين ينذرهم ويتلو عليهم آيات الله، فكأن على أبصارهم غطاء.