التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة آل عمران

صفحة 608 - الجزء 1

  


  رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} في هذه الآية الكريمة تأكيد لما سبق من ذكر المؤمنين من أهل الكتاب في قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً} إلى آخر الآيتين.

  وفي هذه الآية تنزيه لهم عما يقع من غيرهم من أهل الكتاب من اشتراء ثمن قليل بآيات الله، وذلك أن للمؤمنين كرامتهم عند الله فاستحقوا الإشادة بذكرهم وتأكيد الثناء عليهم في هذه السورة التي فيها كثر الرد على أهل الكتاب وذكر كثير من باطلهم، فناسب فيها إعلان تنزيه المؤمنين من أهل الكتاب وتبرئتهم من رجس الكافرين.

  وقوله تعالى: {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} أي القرآن وسائر ما أنزل على رسوله محمد ÷ وقوله: {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} أي التوراة والإنجيل وغيرهما مما أنزل على أنبيائهم، وفي إسناد المنزل إلى رسلهم إليهم والمنزل إلى المبعوث من العرب إليهم تكريم للطائفتين لمن قبل الكرامة مثل هؤلاء المؤمنين من أهل الكتاب، فأبقى لهم كرامتهم بإنزال الله ما أنزل إلى أنبيائهم مع إيمانهم بمحمد ÷ وبما أنزل إلى بني إسماعيل.

  {خَاشِعِينَ لِلَّهِ} خاضعين لله ذالّين لله {لا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا} لأنهم مهتدون بهدى الله، لا يصرفهم عنه كبر ولا حسد ولا حب الدنيا فليسوا كالكافرين من أهل الكتاب.

  {أُولَئِكَ} أهل الصفات المذكورة من قوله تعالى: {لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} {لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} حق لهم فلا يضيعه الله ربهم الرحيم بهم {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} فلا ينقص من أجرهم مثقال ذرة؛ لأن الله يعلمه كله ولا يخفى عليه من مقداره وحسابه شيء؛ لأنه يحيط علمه بمقدار الشيء وعدده من دون إجالة فكر ولا تأمل كما يفعل الحاسب ولا يسبق علمه به خفاء عليه ولا غفلة عنه سبحانه وتعالى.