الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب في الاستطاعة

صفحة 154 - الجزء 1

  يكن بين المختار والمضطر فرق، وعند جميع العقلاء فرق بين المختار والمضطر.

  وأيضاً: لو كان القادر غير قادر على الضدين لكان في ترك الواجبات وفعل المقبحات معذوراً؛ لأنه في حال فعل المقبحات لم يكن قادر على أداء الطاعات، وبطلان ذلك معلوم بالإجماع.

  وأيضاً: فإن للفعل حالتين: حال وجود، وحال عدم، وفي حال الوجود لا يحتاج إلى القدرة؛ لأنه مستغن بوجوده عن القدرة، فوجب أن يحتاج إليها في حال العدم؛ ليخرجه من العدم إلى الوجود ولهذا يجب تقدمها للفعل.

  وأيضاً: فكل فعل يحتاج إلى آلة أو حاسة أو علم ولا يمكن حصوله إلا بها، فلا يجوز أن يأمر بذلك الفعل إلا بعد أن يعطيه ما يحتاج إليه في ذلك الفعل، والفعل إلى القدرة أحوج من حاجته إلى الآلة والحاسة والعلم؛ لأنه لو حصلت هذه الأشياء ولم تحصل القدرة لم يحصل الفعل وهذا يوجب ألا يأمر المكلف بشيء إلا بعد كونه قادراً، وإجماع المسلمين أن من لا يقدر أن يصلي قائماً جاز له أن يصلي قاعداً، فلو كان الصحيح []⁣(⁣١) غير قادرٍ على القيام لجاز أن يصلي قاعداً، وبالإجماع لا تجوز صلاة الصحيح قاعداً إذا كانت صلاته فريضة، وهذا دليل على كونه قادراً قبل الصلاة بالإجماع.

  وأيضاً: فإن القدرة تؤثر في حدوث الفعل فإذا وجدا معاً فلا تأثير لها في إيجاد الفعل.

  فإن قال: فعل العبد خلق لله كسب للعبد.

  قلنا: الكسب للعبد كما تقولون ليس بمعقول؛ لأن الله - تعالى - إذا خلق القدرة الموجبة للفعل يحصل الفعل لا محالة، فأي شيء يبقى يضاف إلى العبد حتى يكون كسباً له؟ وهذا تلبيس ظاهر.


(١) مكتوب: القاعد.