باب في الاستطاعة
  والثاني: من فعل العبد فيعلم الله - تعالى - أن في فعله مصلحة ولطفاً يجب أن يأمره به حتى يفعله، فإن فعل حصل له الثواب، وإن لم يفعل حصل العقاب من جهته، وهو كالصلاة والزكاة والصيام وسائر الشرعيات.
  والثالث: هو من فعل الغير وهو أن يعلم الله - تعالى - أنه لو كلف زيداً بفعل ويعلم أنه يفعل ذلك الفعل ويكون في فعله لطف لعمرو كلّفه، وإن علم أن زيداً لا يفعله لا يكلفه.
  فأما الآلات كالأعضاء والحواس وغيرها فيجب على الله - تعالى - أن يعطيه؛ لأن أداء الطاعات واجتناب المقبحات يحتاج إلى هذه الأشياء، فإذا كلّف ولم يعطه ما يحتاج إليه في أداء التكليف فالتكليف يكون قبيحاً، والله - تعالى - لا يفعل القبيح.
باب في الاستطاعة
  الاستطاعة: «هي القدرة والقوة».
  والله سبحانه و - تعالى - أعطى جميع المكلفين القدرة على الخير والشر، والقدرة تصلح للضدين الخير والشر، والكفر والإيمان، والقدرة باقية، وهي قبل الفعل بخلاف قول المجبرة.
  والدليل على أن القدرة قبل الفعل: أنها لو كانت مع الفعل لكان غير قادر على الإيمان في حال كفره وهو مأمور؛ فكان تكليفه تكليفاً بما لا يطاق، وتكليف ما لا يطاق قبيح، وما أدى إليه يجب أن يكون قبيحاً، قال الله - تعالى -: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}(١)، و {إِلَّا مَا آتَاهَا}(٢).
  أيضاً: لو كان المكلف غير قادر على الضدين لكان القادر كالمضطر والممنوع ولم
(١) سورة البقرة: ١٨٦.
(٢) سورة الطلاق: ٧.