الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب في القضاء والقدر

صفحة 160 - الجزء 1

  والخامس: يكون بمعنى الفقدان والضياع: كقول الشاعر:

  هَبُوني امرأً منكم أضَلّ بعيرَه ... له ذمّة إن الذّمام كبيرُ(⁣١)

  يعني: ضل عنه.

  والسادس: يقال أضل إذا ضل بسببه، كما قال - تعالى - حاكياً عن إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}⁣(⁣٢) يعني: ضل كثيراً بسببهن.

  فإذا حملت آيات الهدى والضلال على هذه المعاني لم تضف إلى الله - تعالى - شيئاً من القبائح، ولأن الله - تعالى - أمر بالدين وحثّ عليه ووعد وأوعد على خلافه، فكيف يضل العباد ثم يعاقبهم على فعله؟! - تعالى - عن ذلك علواً كبيراً.

باب في القضاء والقدر

  فإن قال قائل: المعصية بقضاء الله وقدره.

  قلنا: القضاء في القرآن على ثلاثة أوجه:

  [الأول]: بمعنى الخلق: كقوله - تعالى -: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}⁣(⁣٣) معناه: خلقهن، وبهذا المعنى لا يجوز أن يقال أفعال العباد بقضاء الله - تعالى -.

  والثاني: بمعنى الأمر والإلزام: كقوله - تعالى -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}⁣(⁣٤) يعني: أمر وأوجب، فبهذا المعنى الطاعات كلها تكون بقضاء الله - تعالى - فحسب.


(١) الشاعر أبو دهبل الجمحي.

(٢) سورة إبراهيم: ٣٦.

(٣) سورة فصلت: ١٢.

(٤) سورة الإسراء: ٢٣.