باب في القضاء والقدر
  والخامس: يكون بمعنى الفقدان والضياع: كقول الشاعر:
  هَبُوني امرأً منكم أضَلّ بعيرَه ... له ذمّة إن الذّمام كبيرُ(١)
  يعني: ضل عنه.
  والسادس: يقال أضل إذا ضل بسببه، كما قال - تعالى - حاكياً عن إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}(٢) يعني: ضل كثيراً بسببهن.
  فإذا حملت آيات الهدى والضلال على هذه المعاني لم تضف إلى الله - تعالى - شيئاً من القبائح، ولأن الله - تعالى - أمر بالدين وحثّ عليه ووعد وأوعد على خلافه، فكيف يضل العباد ثم يعاقبهم على فعله؟! - تعالى - عن ذلك علواً كبيراً.
باب في القضاء والقدر
  فإن قال قائل: المعصية بقضاء الله وقدره.
  قلنا: القضاء في القرآن على ثلاثة أوجه:
  [الأول]: بمعنى الخلق: كقوله - تعالى -: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}(٣) معناه: خلقهن، وبهذا المعنى لا يجوز أن يقال أفعال العباد بقضاء الله - تعالى -.
  والثاني: بمعنى الأمر والإلزام: كقوله - تعالى -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}(٤) يعني: أمر وأوجب، فبهذا المعنى الطاعات كلها تكون بقضاء الله - تعالى - فحسب.
(١) الشاعر أبو دهبل الجمحي.
(٢) سورة إبراهيم: ٣٦.
(٣) سورة فصلت: ١٢.
(٤) سورة الإسراء: ٢٣.