باب في الإرادة
  وفي صحة هذه الجملة دليل على أنها ليست مخلوقة لله - تعالى -، ولأنها لو كانت مخلوقة لله - تعالى - لجاز أن يشتق له منها اسماً فلو فعل الظلم كان يسمى ظالماً، ولو خلق الكذب كان يسمى كاذباً، كما أنه لما فعل العدل سُمّي عادلاً، وبالإجماع أنه لا يجوز أن يسمى الله - تعالى - ظالماً كاذباً، فعلمنا أنها ليست بمخلوقة لله - تعالى -.
  ولأن الله - تعالى - من أول القرآن إلى آخره أضاف أفعال العباد إليهم كما قال: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٤}(١)، و {يَفْعَلُونَ}، و {يَكْسِبُونَ} وأمثال ذلك كثيرة، فلو لم يكن فعلهم لكان كذباً - تعالى - الله عن ذلك -، وقال أيضاً: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}(٢)، وبالإجماع أن الكفر وسائر القبائح ليست بحسنة.
  فأما قوله - تعالى -: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ٩٦}(٣)، أراد بذلك أنه خلق الحجر والخشب التي ينحتون منها الصنم، وأما قوله - تعالى -: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}(٤)، أراد بذلك ما كان من أفعاله من الأجسام وكثير من الأعراض، ولا يطلق اسم الخلق على أفعال العباد فلا تدخل في هذه الآية.
باب في الإرادة
  الله - تعالى - يريد ما أمر به من الطاعة، ويكره ما نهى عنه من المعصية، وأما المباح فلا يريده ولا يكرهه؛ لأنه لم يأمر به ولم ينه عنه، وعند المجبرة الله - تعالى - يريد جميع المعاصي، ويريد من الطاعات ما علم أنه يكون.
(١) سورة الأحقاف: ١٤.
(٢) سورة السجدة: ٧.
(٣) سورة الصافات: ٩٦.
(٤) سورة الأنعام: ١٠٢.