باب في صفات الصانع تعالى
الفصل الثالث: في الصفات التي يوصف الله تعالى بها في حال ولا يوصف بها في حال:
  نحو كونه مريداً أو كارهاً، وخالقاً، ورازقاً؛ لأن الله - تعالى - فيما لم يزل لا
  يوصف بهذه الصفات، وإنما وصف بها عند خلق العالم والحيوان، فإذا أراد شيئاً يوصف بأنه مريد، وإذا كره شيئاً يوصف بأنه كاره، وإذا خلق يوصف بأنه خالق، وإذا رزق يوصف بأنه رازق، وهذا لا يتصور فيما لم يزل، فلا يوصف بها فيما لم يزل.
  والدليل على أن الله - تعالى - مريد وكاره: أنه آمر ومخبر، أمر بأشياء وأخبر عن أشياء ونهى عن أشياء، والأمر لا يكون أمراً إلا بإرادة الآمر المأمور به، والخبر لا يكون خبراً إلا بإرادة المخبر عنه، والنهي لا يكون نهياً إلا لكراهة الناهي المنهي عنه.
  والصفة الأخرى كونه متكلماً: وهذه أيضاً صفة الفعل، ومرادنا بكونه متكلماً هو فاعل الكلام لا أنه جسم يحدث فيه شيء، لكنه يخلق الكلام في محل كما خلقه في الشجر فسمعه موسى #، فالشجر كان محلاً للكلام، والمتكلم هو الله - تعالى - لا الشجر، كما أن أحدنا يتكلم باللسان، واللسان محل الكلام، والمتكلم هو الإنسان لا اللسان، والقرآن كلام الله - تعالى - وهو هذه السور والآيات المسموع المتلو بلغة العرب، ومعجزة الرسول ÷، وإنه محدث ليس بقديم، قال الله - تعالى -: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ٢}(١) وصفه بأنه محدث مسموع، وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}(٢)، والنزول لا يجوز على القديم، ولأن القرآن حروف منظومة متوالية حرف بعد حرف، وهذه علامة الحدوث.
(١) سورة الأنبياء: ٢.
(٢) سورة يوسف: ٢.