الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب في الآلام والأعواض

صفحة 155 - الجزء 1

باب في الآلام والأعواض

  الآلام على وجهين: بعضها حسن، وبعضها قبيح.

  فالحسن منها: ما يكون فيه نفع زائد عليه أو دفع ضرر أعظم منه أو استحقاق، كما يتحمل العاقل من المشقة لطلب النفع في قطع الأسفار، وركوب البحار، واكتساب الأعمال الشاقة لنفع مطلوب، وكما يشرب المريض الأدوية الكريهة، ويفصد ويحتجم لدفع ضرر يخاف منه، ولا فرق بين أن يكون إيصال النفع أو خوف الضرر معلوماً أو مظنوناً.

  والألم المستحق: هو أن يحصل بسبب فعل قبيح أو معصية يفعلها أو ترك واجب فيذم عليه في الدنيا، ويعاقب في الدنيا كإقامة الحد عليه والتعزير، وكعقاب الآخرة، وهذا هو المستحق.

  والله - تعالى - يوصل الآلام والأمراض إلى الأجسام فيحسن منه لوجهين:

  أحدهما: الاستحقاق كعقاب أهل النار.

  والثاني: الاعتبار والعوض.

  فبالاعتبار يخرج من كونه عبثاً، وبالعوض يخرج من كونه ظلماً.

  مثاله: كمن يستأجر أجيراً في عمل بأجرة معلومة لا بد أن يكون فيه فائدتان:

  إحداهما: أجرة الأجير.

  والثانيـ [ـة]: أن يكون في ذلك غرض ما استأجره.

  فإن استأجره ولم يعطه الأجرة يكون ظالماً، وإن وفاه الأجرة ولكن أمره بعمل لا نفع له فيه يكون عبثاً، كمن يستأجر أجيراً ليروح الهوى أو ليصب الماء في النهر من جانب إلى جانب آخر.

  فكذلك يجب أن يكون في الآلام التي يوصلها الله - تعالى - إلى الأحياء فائدتان: