مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (القسم الثاني)،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة [في خلق القرآن]

صفحة 124 - الجزء 1

  سوى الله سبحانه، ولهذا تميز دين الحنيفية على دين النصارى في قولهم: (إن الله ثالث ثلاثة) وما أرادوا غير إثبات ذات وصفتين في الأزل، فصاروا مثله بذلك، فإن شاركهم غيرهم وزاد عليهم فثمّن أو عشّر، فقد رمى بنفسه في المهالك، فتحرز أرشدك الله عن ذلك.

  وأما قوله: إن القرآن صفة، فلا يعقل في معنى القرآن إلا هذا الموجود بين أظهرنا حجة لنا وعلينا أمرا، ونهيا، ومجملا، ومبينا، وخاصا، وعاما، ومحكما، ومتشابها، ووعدا، ووعيدا، وعبرا، وأمثالا، وفرائض، وأحكاما، إلى غير ذلك من أنواعه زاده الله شرفا وحده على مرور الأيام، ولا يعقل فيما هذا حاله أن يكون صفة وأن تكون قديمة، فكيف تكون الأمور المتغايرة قديمة؛ لأن الوعد غير الوعيد، والمحكم غير المتشابه، وكذلك في سائر الأنواع؛ فإن أثبت قرآنا غير هذا فلسنا ننازع إلا في هذا، ونقلنا الكلام معه إليه، وبينا أن إثبات صفة قديمة للباري لا تجوز إذ لا قديم سواه ولا رب غيره، ولو كان العلم والقدرة كما قال السائل لكانت أمثالا لله سبحانه ولا مثل له تعالى؛ لأنه لو كان له مثل وقدر بينهما المنازعة التي تجوز وقوعها بين الاثنين كأن يريد أحدهما تحريك جسم والآخر يريد تسكينه أو تبييضه والآخر يريد تسويده، لكانت لا تخلو من أمور ثلاثة: إما أن يوجد مرادهما وذلك محال، وإما أن لا يوجد مرادهما معا وذلك محال، وإما أن يوجد مراد أحدهما دون الآخر وذلك أيضا محال لاستوائهما في كل حال فاعلم ذلك.

  فأما قوله: إن الله تعالى فرق بين الخلق والأمر فقال: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}⁣[الأعراف: ٥٤]، فلا شك في ذلك لأن الأمر أعم من الخلق وهي لفظة مشتركة يراد بها الغرض والبيان كما يقال: لأمر ما جدع قصير أنفه أي: