مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (القسم الثاني)،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة [في اختلاف رواية أهل البيت]

صفحة 375 - الجزء 1

  مسألة قوله تعالى: {قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ...} الآية [آل عمران: ٢٦].

  الكلام في ذلك ومن الله نستمد التوفيق: أن الله تعالى مالك الملك على الحقيقة، إذ هو الغني الذي لا يفتقر، والعادل الذي لا يجوز عليه العجز ولا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب؛ وهذا هو الملك على الحقيقة، فهو مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء بالحكم والأمر إن كان محقا، وبالتخلية والتمكين وتهيئة الأسباب إن كان مبطلا لتكمل عليه الحجة، ويطالبه بموجب شكر النعمة، فإن عمل بالملك بما أمره أعطاه خير الدنيا وثواب الآخرة، وإن خالف ذلك أنزل به عقوبة الكافرين في الدنيا والآخرة أو في الآخرة، ولا يمتنع ذلك في الحكمة، ولا تلحقه بالجور، إذ الباري سبحانه قد أعطى الكفار ابتداء ما يمثل لك الدنيا جميعا لو خيّره أهل العقول من العاقبة والجوارح السليمة، والعقل الذي به كمال النعمة؛ فإذا جاز فعل ذلك لمن لا يستحقه لتكمل عليه الحجة، فإضافة ما هو دونه إليه لا مانع منه في الحكمة لمثل ذلك؛ ولأنّا قد شاهدنا الملك منتظم لإنسان دون إنسان ممن طلبه، وربما أن المحروم أحرم وأكمل ممن ناله وأدركه بمساعدة المقادير وتهيئة الأسباب.

  والكلام في قوله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله: {تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ} على نحو ذلك، ومعناه ظاهر جعل بعض خلقه ملكا، وبعضهم سوقة، وبعضهم مالكا، وبعضهم مملوكا، وبعضها ذكرا في موضع العزة والتصرف، وبعضهم أنثى في موضع الذلة والانقياد، وكل هذا لحكمة ومصلحة تعود على العباد؛ فأراد سبحانه من الغني والملك والعزيز الشكر، وأراد من الرعية والفقير والضعيف الصبر والشكر، تكليف وتعبّد يعود نفعه على العبد؛ لأن التكليف نصفان نصف صبر، ونصف شكر؛ والصبر أفضلهما فهذا ما يتوجه عندنا في معنى هذه الآية، والله أعلم.