يتلوه رسالة الإيضاح بعجمة الإفصاح
  عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}[الفتح: ٢٤] ... إلى قوله تعالى: {وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الفتح: ٢٥]، فسماهم تعالى مؤمنين مع وقوفهم في دار الحرب، وكفّ أيديهم عن قتلهم، فقال تعالى: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً}[الفتح: ٢٥]، فلو كانوا كفارا لوقوفهم بين أهل مكة لكان حكم الجميع حكما واحدا، ولم يحتج إلى الكفّ ولا يقول: {لَوْ تَزَيَّلُوا}.
  قال: ولم يفرّق بين أن يكونوا قادرين على الانتقال.
  والكلام في ذلك قد تقدّم أكثره؛ لأنّ الله تعالى ذكر المهاجرين والأنصار جملة، حيث قال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ}[الأنفال: ٧٢]، فهذه في المهاجرين والأنصار، وقد تقدّم الكلام فيها، وقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا}[الأنفال: ٧٢]، فهؤلاء على وجهين:
  إما أنهم آمنوا ولم يتمكنوا من الهجرة فلا ولاية لهم، أي لا إرث كما كان في صدر الإسلام التوارث بالهجرة، فمتى عدم الشرط عدم المشروط، ونحن لهم أولياء في الدين وإخوان في الله، ودينهم صحيح لا نقص فيه.
  والوجه الثاني: أنهم آمنوا وصدقوا بالله وبرسوله وبالدين ولم يهاجروا مع التمكن، فهؤلاء الذين لا ولاية لهم باطنة ولا ظاهرة، وعلينا لهم النصرة لمصلحتنا كما ننصر المعاهدين وإن كانوا كفارا حكما ومعنى، وبعد هذا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ}[الأنفال: ٧٣]، فأخبر بالولاية بين الكفار، وأوجب تعالى الولاية بين