مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (القسم الثاني)،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

يتلوه رسالة الإيضاح بعجمة الإفصاح

صفحة 527 - الجزء 1

  تعالى بغضبه على الذين لم يهاجروا مع القدرة على ذلك، فقال تعالى: {الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها ...} إلى آخر الآية [النساء: ٩٧]، فأخبر تعالى بحالهم وأن الوعيد لاحق بهم، ولم نعلم [أن]⁣(⁣١) أحدا من المسلمين وسّع له الله تعالى ورسوله في سكنى دار الحرب مع التمكّن من الهجرة إلا العباس # فإن رسول الله ÷ أذن له في الإقامة بمكة لمكان السقاية، فلما طالت عليه المدة، واستبطأ الفتح نهض بأولاده مهاجرا إلى الله ورسوله، فلقي رسول الله ÷ بالجحفة فأنفذ أهله وولده إلى المدينة ورجع مع الجيش، والقصة فيه مشهورة، وقد كانوا يقطعون القيود، ويفكون⁣(⁣٢) الأغلال، ويركبون الأهوال، ويفارقون الأولاد والأموال لعلمهم بوجوب الهجرة، ولزوم فرض النصرة، ولهذا تهدد وأخبر بكفر من استأذن رسول الله ÷ في التخلف لغير عذر يعلم الله صدقه، فقال الله سبحانه: {إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}⁣[التوبة: ٤٥]، ووسمهم بالنفاق، ورماهم بالشقاق، وهم يظهرون كلمة الإسلام مشاركون للمسلمين في ظاهر الأحكام، وهل علم من الله ورسوله ترخيص في الهجرة، لو علم ذلك من رسول الله ÷ فهو لا يجيز تخلف المتخلفين، إما أن يكون بإذن من النبي ÷ أو بغير إذن، فإن كان بإذن فلا كلام في جوازه، وعندنا أن ذلك يجوز للأغراض، وإن كان بغير إذن فالفاعل لذلك عاص بالاتفاق.


(١) سقط من (ب).

(٢) في (ب): ويفككون.