يتلوه رسالة الإيضاح بعجمة الإفصاح
  وفي التأخر أيضا قسمة أخرى، يقال: هل كان التخلف لعذر أو لغير عذر؟ فإن كان لعذر فهو مؤمن بلا خلاف، وهم الذين ذكرهم الله في مكة حرسها الله تعالى وإن كان لغير عذر فهو عاص ملعون، حكمه مع الكافرين الكفر ومع الفاسقين الفسق كما قدمنا، وقد كان في النساء في مكة محنة عظيمة؛ لأن منهم من أراد الهجرة فمنع، منهم: أم سلمة ^ أرادت الهجرة فمنعت على أنها في صناديد بني مخزوم، وحاولت ذلك زينب بنت رسول الله ÷ بإذن زوجها أبي العاص وهو في الأعياص، والعباسيين من بني عبد شمس، وهي في ذؤابة هاشم والمطلب فمنعت من ذلك، ووحش عليها هبار بن الأسود بالرمح إلى هودجها فألقت ذا بطنها، فكيف يحكم بأن تأخر المتأخرين في مكة كان مع تمكّنهم أو باختيارهم.
  وأما قوله: ولم يفصل تعالى بين كونهم قادرين أو غير قادرين، فمن يعلم(١) القصص والآثار يعلم ضرورة أنه لم يقف في مكة حرسها الله تعالى إلا عاجز أو ممنوع.
  وأما قوله: في قوله تعالى في سورة النساء: {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ...} إلى قوله: {فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}[النساء: ٩٢]، فسماه ø مؤمنا مع أنه من قوم عدو لنا، وأوجب على من قتله الكفارة دون الدية، وهذا إذا قتله وهو يظنّ أنه كافر ودعت الضرورة إلى قتله؛ بأن لا يمكن قتل أهل دار الحرب إلا بقتل المؤمن الذي يكون عندهم فحينئذ يسقط القود والدم وتجب الكفارة، ولا يعقل من هذا إلا أنه مؤمن بين كفار، إذ لو كان مؤمنا بين مؤمنين لوجب
(١) في (ب): فمن يعرف.