مسألة [في متشابه القرآن]
  ما يعارض مذهبهم من محكم كتاب الله قال: والصحيح أن المتشابه عند علماء السنة والجماعة: هو ما وصف الله به نفسه وتفرّد بعلمه كاليد، والجنب، والساق، والوجه، والعين. قال: هو المروي عن عائشة، والحسن، وكثير من الصحابة والتابعين، قال: وهو معنى قوله تعالى: {وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ}، ثم استأنف بقوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا}[آل عمران: ٧] قال: ومن وصل القراءة فقد كفر.
  قال: فهذه الآيات لا يجوز تفسيرها ولا تأويلها ولا حملها على ظاهرها، قال: لأن متأولها كافر، والحامل لها على ظاهرها مشبه كافر، قال: بل استأثر الله سبحانه بعلمها.
  الجواب: اعلم أرشدك الله أنا لا نستغني عن مقدمة نذكر فيها المتشابه بحقيقته، والمحكم بحقيقته؛ لأن بجهل معنى المتشابه والمحكم هلك كثير من الناس فادعى في المحكم أنه متشابه، وفي المتشابه أنه محكم كما فعل السائل أرشده الله، ونذكر أنه لا يجوز من الحكيم تعالى أن يخاطبنا بخطاب لا نتمكن من معرفة معناه، فإذا تقررت هذه المقدمة تكلمنا على ألفاظ المسألة إن شاء الله بما يشفي علة الطالب، ويطفئ أوار(١) الراغب، وبه نستعين.
  اعلم: أن المتشابه قد رجع به إلى المماثلة كما يقول أهل اللغة: هذا شبه هذا أي يماثله في بعض أوصافه أو كلها، كما حكى سبحانه نعيم الجنة: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً}[البقرة: ٢٥] يحتمل في الصور ويحتمل في جلالة القدر، وقد يرجع إلى الالتباس الذي هو الاشتباه، كما حكى سبحانه عن بني إسرائيل في فزعهم إليه في كشف اللبس لقوله: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا}[البقرة: ٧٠] أي يلتبس بعضها
(١) في حاشية الأصل: الأوار حرارة النار والشمس والعطش. تمت (نهاية ابن الأثير).