مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (القسم الثاني)،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة [في متشابه القرآن]

صفحة 86 - الجزء 1

  ببعض، ونقول هذا أمر مشتبه أي ملتبس، كما قال أحد أهل العلم باللغة:

  فلا يخدعنك لموع السراب ... ولا تأت أمرا إذا ما اشتبه

  فعلى المعنى الأول يحمل قوله تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً}⁣[الزمر: ٢٣] فوصف القرآن كله بالتشابه، والمراد بذلك عند أهل البيت $ وأتباعهم أن بعضه يشبه بعضا في باب الحكمة وجزالة الألفاظ، وصحة المباني، وعلى المعنى الآخر يحمل قوله تعالى: {مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ}⁣[آل عمران: ٧] المتشابه بهذا المعنى كل لفظ إذا أطلق سبق إلى فهم السامع منه معنيان أو ثلاثة أو أكثر بعضها صحيح وبعضها فاسد، فيبقى متردد الفهم في تلك المعاني، فيقع الاشتباه عليه حتى يميز بعضها من بعض بالبرهان العقلي والسمعي، فتكون تلك المعاني في أهل الدعاوي، ويكون المعنى العقلي والشرعي كالشاهدين العدلين يقعان لأحد أهل الدعاوي فيستحق المدعي ويبطل كلام الآخرين بعد أن يكونوا قبل الشاهدين على سواء.

  وأما المحكم فعلى وجهين أيضا: أحدهما: ما صح المراد به في باب الحكمة، وأحكمت ألفاظه ورصفه من الخلل والغلط؛ لأن الحكم في الأصل هو المنع ومنهم أخذت حكمة الدابة لأن يمنعها من العدو، فكذلك الحاكم، والحكمة تمنع صاحبها من التعدي، والمحكم كالمانع، والممنوع من الإضلال في وجه من الوجوه أو في كل وجه، فعلى هذا الوجه يحمل القرآن كله على أنه محكم؛ لأن ألفاظه صحيحة ورصفه بريء من الخلل والغلط، وعليه يحمل قوله تعالى: {الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ}⁣[هود: ١] فوصف القرآن كله على هذا المعنى بأنه محكم.