مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (القسم الثاني)،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة [في وحدانية الله]

صفحة 96 - الجزء 1

  الأعراض مخصوصة والحركة والسكون وما شاكلها من أفعال الجوارح وأفعال القلوب، والباري تعالى خلق الأجسام والأعراض الضرورية.

  فأي مشابه بين الخلق والمخلوق بهذا القدر، وكذلك فإنّا قد أثبتنا الواحد منّا حيا، والباري سبحانه الحي القيوم، فلم يقع تشبيه لما كان الباري تعالى حيا لذاته، والواحد منّا حيا بحياة محدثة وليس الضد يصير مشركا بقول ضده: إنك مشرك، ولا مشبها بقول خصمه: أنت مشبه، وإنما يكون ذلك إذا قامت دلالة صحيحة، لأن الخوارج قد قالت لعلي بن أبي طالب #: أنت كافر وكانت أولى بالكفر منه، وقال تعالى: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً}⁣[الأحزاب: ٦٩].

  وأما قوله تعالى: {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}⁣[البقرة: ١٦٥] فذلك حق لأن القوة في الأصل على وجهين: أحدهما: القدرة. والثاني: الآلة. قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}⁣[الأنفال: ٦٠] [والآلة هي القوة] والسلاح، ويقول قائلهم: ما لي قوة على هذا أي: قدرة، فإذا عرفت ذلك علمت أن القوة لله جميعا، لأنه خالق الآلة والقدرة، لا يقدر على ذلك غيره سبحانه، فالقوة لله جميعا، وقوله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}⁣[القصص: ٢٦] المراد بالقوي: القادر ومعنى الأمين ظاهر.

  وأما قوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً}⁣[النساء: ٢٨] وصدق الله العظيم وأي ضعف أعظم من حاله عند خلقه لا يجلب إلى نفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا، فلما كان كذلك لطف له بالوالدة وعطفها عليه بالرحمة فمهّد له بعضها، وخلق له الغذاء في بعضها، وألهمه تناوله، وألهمها تربيته، حتى ملك رشده،