مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (القسم الثاني)،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة [في خلق الأفعال]

صفحة 101 - الجزء 1

  وعظ الواعظون، وذكّر المذكّرون، وحذر المحذّرون، ورغّب المرغّبون، لأن الأفعال لو كانت من قبله تعالى كما زعم المخالفون لما كان لذلك وجه يعلم، ولا معنى يفهم؛ لأن ذلك يكون عبثا لأنهم إن أمرونا بفعل الله فقد كلّفونا شططا، وإن نهونا عن فعله فقد تعدّوا علينا عدوانا مبينا، فتأمل ذلك موفقا.

  وأما قوله تعالى: {اللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ}⁣[الصافات: ٩٦] فالمراد بذلك وما تعملون فيه خلاف مراده كنحتهم لأصنامهم وعبادتها؛ فكأنه قال تعالى: هو الذي خلقكم وخلق الخشب والحجارة الذي صنعتموه وجعلتموه ربا لكم من دون خالقكم فبئس للظالمين بدلا، وإلا لو كان خلق العبادة والنحت في الخشب والحجارة لما نهى عنه وذم عليه، وقد قدمنا الكلام في قوله تعالى: {خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[الزمر: ٦٢].

  فأما قوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}⁣[الفرقان: ٢](⁣١) فهذه خاصة في أفعاله تعالى من الأجسام والأعراض الضرورية التي لا يقدر عليها سواه كالروائح، والطعوم، والألوان، والحرارة، والبرودة، وما شاكل ذلك، وكالحيوانات، والجمادات وما فيها من الآثار العجيبة والتقدير البديع؛ فأما الفواحش، والمخازي، والزور، والعدوان، والظلم، والكذب فأي تقدير فيه، وأي حكمة في فعله وفاعله مذموم، ولو قيل لمضيف هذه الأفعال إلى الله سبحانه: يا كاذب، يا سارق، إلى غير ذلك لأنف على نفسه، فكيف يرضى بإضافة ذلك إلى ربه ويحسنه له عقله ولبه! هل هذا إلا الزيغ العظيم والضلال البعيد!


(١) في الأصل: كل شيء قدرناه تقديرا.