مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (القسم الثاني)،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة [في خلق الأفعال]

صفحة 102 - الجزء 1

  وقوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}⁣[الفرقان: ٢](⁣١) يريد من فعله لأنه تعالى لا يفعل إلا الحكمة، وسواء كانت مشتهاة أو منفورا عنها.

  فأما قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى}⁣[الأنفال: ١٧] فذلك في قصة أهل بدر، ولما كان الغالب على أمر قريش القوة والاستظهار، وكان أصحابه ÷ في نهاية من الضعف، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}⁣[آل عمران: ١٢٣] أضاف القتل إليه لتأييده تعالى لهم بالملائكة $، والفعل مضاف إليه تفخيما للحال، وتعظيما للأمر، كما يقال: السلطان قتل بني فلان وإن كان جنده قاتليهم؛ فلما وقع قتل المشركين بتأييد الملائكة وقذف الرعب في قلوبهم أضاف الأمر إلى الله تعالى، وكذلك في قوله: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى}⁣[الأنفال: ١٧] فلأن الرمي وقع على وجه لا يدخل تحت مقدور العباد، لأنه رمى بكف من حصى وتراب فما بقي رجل إلا دخل من ذلك في عينه شيء فكان المتولي لذلك.

  وأما حركة كف رسول الله ÷ فقد كانت منه، ولهذا قال تعالى: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ}⁣[الأنفال: ١٧] فأضاف الرمي إليه الذي دخل تحت مقدوره ونفى عنه ما عدا ذلك، فتأمل ذلك تفهم معناه، موفقا إن شاء الله تعالى.

  قال: وأما ما يذكرون من نسبتها إليهم بآيات من القرآن الكريم قال: فذلك على سبيل المجاز.

  اعلم: أن الجواب عن هذا أن الحاجة ماسة للسائل على معرفة الحقيقة والمجاز حتى لا يتعدى في المجاز فيجعله حقيقة ولا يطغى في الحقيقة فيجعلها مجازا، فالجهل بذلك سبب لضلالة كثير من الناس.


(١) في الأصل: كل شيء قدرناه تقديرا.