فصل في وفاته ÷
  الليل، فقال: «يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معي»، فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال: «السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى»، ثم أقبل عليَّ وقال: «يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة»، قال: فقلت: بأبي أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، قال: «لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة»(١).
  وروي أنه ÷ لما أذنه بلال بالصلاة، قال: «قد أبلغت يا بلال، فمن شاء فليصل»، ثم عاد بلال وقد أغمي على رسول الله ÷، فقالت عائشة لبلال: إن رسول الله يأمرك أن تأمر أبا بكر يصلي بالناس، ثم أفاق رسول الله ÷ فقال: «ما صنع الناس؟»، فَأُخْبِرَ الخبر، فغضب ÷ وقال: «إنكنَّ صويحبات(٢) يوسف»، وخرج وهو عاصب رأسه، يتهادى بين علي # والفضل بن العباس، ورجلاه يخطان الأرض، وقد شرع أبو بكر يصلي بالناس، فاستبشر المسلمون وفرحوا بخروج النبي ÷ فصلى بهم قاعداً والمسلمون قيام، فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس، فكلمهم رافعاً صوته؛ حتى خرج صوته من باب المسجد، يقول: «أيها الناس، سعرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، إني والله ما تمسكون عليّ بشيء، إني لا أحل إلا ما أحل القرآن، ولم(٣) أحرم إلا ما حرم القرآن»(٤) إلى آخره(٥).
(١) أورد رواية أبي مويهبة ابن بهران في ابتسام البرق - خ -، عن سيرة ابن هشام، عن ابن إسحاق، قلت: وهي في سيرة ابن هشام ٤/ ٢٠٤، وأوردها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣/ ٢٧ وعزاها إلى الطبري في تأريخه، وأوردها الزحيف في مآثر الأبرار ١/ ٢٢٣، وعزاها إلى مغازي ابن إسحاق، وانظر تخريج ذلك أيضاً في مآثر الأبرار ١/ ٢٢٣ - ٢٢٤.
(٢) في (ب): صواحبات.
(٣) في (ب): ولا.
(٤) أورد الحديث ابن بهران في ابتسام البرق - خ -، وابن هشام في السيرة النبوية ٤/ ٢١٤.
(٥) وانظر عن أخبار وفاة النبي ÷ المصابيح لأبي العباس الحسني ص ٢٤٤ - ٢٥٢، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣/ ٢٧ - ٤٣.