السيرة النبوية المنتزعة من كتاب اللآلئ المضيئة،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

فصل في وفاته ÷

صفحة 268 - الجزء 1

  الليل، فقال: «يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معي»، فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال: «السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى»، ثم أقبل عليَّ وقال: «يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة»، قال: فقلت: بأبي أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، قال: «لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة»⁣(⁣١).

  وروي أنه ÷ لما أذنه بلال بالصلاة، قال: «قد أبلغت يا بلال، فمن شاء فليصل»، ثم عاد بلال وقد أغمي على رسول الله ÷، فقالت عائشة لبلال: إن رسول الله يأمرك أن تأمر أبا بكر يصلي بالناس، ثم أفاق رسول الله ÷ فقال: «ما صنع الناس؟»، فَأُخْبِرَ الخبر، فغضب ÷ وقال: «إنكنَّ صويحبات⁣(⁣٢) يوسف»، وخرج وهو عاصب رأسه، يتهادى بين علي # والفضل بن العباس، ورجلاه يخطان الأرض، وقد شرع أبو بكر يصلي بالناس، فاستبشر المسلمون وفرحوا بخروج النبي ÷ فصلى بهم قاعداً والمسلمون قيام، فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس، فكلمهم رافعاً صوته؛ حتى خرج صوته من باب المسجد، يقول: «أيها الناس، سعرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، إني والله ما تمسكون عليّ بشيء، إني لا أحل إلا ما أحل القرآن، ولم⁣(⁣٣) أحرم إلا ما حرم القرآن»⁣(⁣٤) إلى آخره⁣(⁣٥).


(١) أورد رواية أبي مويهبة ابن بهران في ابتسام البرق - خ -، عن سيرة ابن هشام، عن ابن إسحاق، قلت: وهي في سيرة ابن هشام ٤/ ٢٠٤، وأوردها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣/ ٢٧ وعزاها إلى الطبري في تأريخه، وأوردها الزحيف في مآثر الأبرار ١/ ٢٢٣، وعزاها إلى مغازي ابن إسحاق، وانظر تخريج ذلك أيضاً في مآثر الأبرار ١/ ٢٢٣ - ٢٢٤.

(٢) في (ب): صواحبات.

(٣) في (ب): ولا.

(٤) أورد الحديث ابن بهران في ابتسام البرق - خ -، وابن هشام في السيرة النبوية ٤/ ٢١٤.

(٥) وانظر عن أخبار وفاة النبي ÷ المصابيح لأبي العباس الحسني ص ٢٤٤ - ٢٥٢، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣/ ٢٧ - ٤٣.