موت أبي طالب وخديجة، وخروج رسول الله ÷ إلى الطائف
  والمستضعفين قد أجابوا دعوته، وصدقوا كلمته، وعظموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذناباً، ودورها خراباً، وضعفاؤها أرباباً، قد محضته العرب ودادها، وأصفت له فؤادها، وأعطته قيادها دونكم.
  يا معشر قريش، ابن أبيكم كونوا له ولاة، ولحزبه حماة، والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد، ولو كان لنفسي مدة، ولأجلي تأخير، لكففت عنه الهزاهز، ولدافعت عنه الدواهي)، ثم هلك(١).
  فانظر بقلبك أيها اللبيب، هل هذا إلا كلام من تمكَّن الإيمان من قلبه، وأغدق التصديق في صناديق(٢) لبِّه، لكن تجنَّب النطق والإظهار خشية ما قال، فحين حضر أجله تكلم بالشهادة، وطابق لسانُه جَنَانه، كما قال المنصور بالله # من قصيدة:
  وقد كان يكتم إيمانه ... فأما الولاء فلم يكتم
  وعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي $، قال: لما مات أبو طالب أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى أهله(٣) بغسله، وكفنه(٤) ثم كشف الثوب عن وجهه، ثم مسح بيده اليمنى وجهه ثلاث مرات، ثم مسح بيده اليسرى جبهته ثلاث مرات، ثم قال: «كفلتني يتيماً، وربيتني صغيراً، ونصرتني كبيراً، فجزاك الله عني خيراً»(٥).
(١) الروض الأنف ٢/ ١٧١.
(٢) في (ب): صناديد، وهو تحريف.
(٣) في (ب): ÷.
(٤) في (ب): وتكفينه.
(٥) أخرجه أبو العباس الحسني ¥ في المصابيح ص ١٨٥ برقم (٦٥)، بسنده عن أبي جعفر #، وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٤/ ٧٦ ما لفظه: قالوا: وقد جاءت الرواية أن أبا طالب لما مات جاء علي # إلى رسول الله ÷، فآذنه بموته، فتوجع عظيماً، وحزن شديداً، ثم قال له: «امض فتولّ غسله، فإذا رفعته على سريره فأعلمني» ففعل، فاعترضه رسول الله ÷ وهو محمول على رؤوس الرجال، فقال: «وصلتك رحم يا عم، وجزيت خيراً، فلقد ربيت وكفلت صغيراً، ونصرت وآزرت كبيراً»، ثم تبعه إلى حفرته، فوقف عليه، فقال: «أما والله لأستغفرن لك ولأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان». انتهى.