السيرة النبوية المنتزعة من كتاب اللآلئ المضيئة،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

الهجرة الكبرى

صفحة 62 - الجزء 1

  قال في (الإمتاع): تلاحق المسلمون بالمدينة يخرجون من مكة أرسالاً، حتى لم يبقَ بمكة إلا رسول الله ÷ وعلي وأبو بكر، أقاما بأمره لهما، وإلا من اعتقله المشركون كرهاً، فحذرت قريش خروج رسول الله ÷، واشتوروا بدار الندوة، أيحبسونه بالحديد⁣(⁣١)، ويغلقون عليه باباً، أو يخرجونه من مكة، أو يقتلونه، ثم اتفقوا على قتله، فأعلمه الله تعالى بذلك، فلما كانت العتمة اجتمعوا على باب رسول الله ÷ يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه، فلما رآهم ÷ أمر علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه، ويتسجى ببرده الأخضر الحضرمي، وأن يؤدي عنه ما عنده من الودائع والأمانات ونحو ذلك، فنام على فراشه وتغطى ببرده الأخضر الحضرمي، فكان أول من شرى نفسه، وفيه نزلت: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ}⁣(⁣٢) [البقرة: ٢٠٧] الآية.

  وخرج ÷، وأخذ حفنة من تراب، وجعله على رؤوسهم وهو يتلو الآيات من أول يس إلى قوله: {فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ}⁣[يس: ٩]، فطمس الله على أبصارهم فلم يروه، وانصرف ÷ وهم ينظرون علياً #، فيقولون: إن محمداً لنائم حتى أصبحوا، فقام علي # عن الفراش فعرفوه، وأنزل الله في ذلك: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ}⁣(⁣٣) [الأنفال: ٣٠] الآية.

  وسأل أولئك الرهط علياً # عن رسول الله ÷؟ فقال: لا أدري، أمرتموه بالخروج فخرج، فضربوه، وأخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعةً ثم خلوا عنه، فأدى أمانة رسول الله ÷.


(١) في (ب): أيحبسونه عليه بالحديد.

(٢) ابتسام البرق - خ -، وانظر المصابيح لأبي العباس الحسني ص ٢٢٧ - ٢٢٨، وشواهد التنزيل ١/ ٩٦ - ١٠٢، ومناقب الكوفي ١/ ١٢٤، وانظر تخريجه في المصادر الثلاثة المذكورة، وانظر كتاب تنبيه الغافلين للحاكم الجشمي ص ٣٨ - ٣٩.

(٣) سيرة ابن هشام ٢/ ٩٦ - ٩٧، وابتسام البرق - خ -، وانظر الكشاف للزمخشري ٢/ ٢٠٤ - ٢٠٥.