الهجرة الكبرى
  ولما خرج رسول الله ÷ أتى أبا بكر وأعلمه أنه يريد الهجرة، وقد روي أنه أتى أبا بكر بالهاجرة، وأمره بالخروج من غد، وأعلمه أن الله قد أذن له في الخروج، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، قال: «الصحبة». فبكى من الفرح، فاستأجر عبد الله بن أريقط الليثي ليدلهما على الطريق، وخرجا من خوخة(١) من دار أبي بكر، ومضيا إلى غار في جبل ثور(٢)، فلم يصعدا الغار حتى قطرت قدما رسول الله ÷ دماً؛ لأنه لم يتعود الحفية ولا الرعية ولا السفر، وعادت قدما أبي بكر كأنهما صفوان(٣)، وعمَّى الله تعالى على قريش خبرهما فلم يدروا أين ذهبا، وكان عامر بن فهيرة يريح عليهما غنيمة، وكانت أسماء بنت أبي بكر تحمل لهما الزاد إلى الغار(٤).
  وقال في (الروضة): كان علي # يأتيهما بالطعام والشراب، ولما سكن الطلب استأجر ثلاث رواحل للنبي ÷، ولأبي بكر، ومولاه عامر بن فهيرة، ولدليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي. انتهى.
  ومثله في (أنوار اليقين)(٥) بإسناده عن أبي رافع، وفي (المصابيح)(٦) لأبي العباس
(١) في (ب): جوفة، وهو تحريف، والخوخة: كوة في الجدار تؤدي الضوء.
(٢) ثور: اسم جبل بمكة.
(٣) الصفوان: الحجر الأملس.
(٤) عن أمر الهجرة الكبرى انظر سيرة ابن هشام ٢/ ٩٨ وما بعدها، والمصابيح لأبي العباس الحسني ص ٢٢٥ - ٢٣١، ومروج الذهب ٢/ ٢٨٥ - ٢٨٦، وتأريخ الطبري ٢/ ٩٨ - ١٠٧، وأنوار التمام في تتمة الاعتصام للعلامة أحمد بن يوسف زبارة ٥/ ٣٦١ - ٣٦٤، والسفينة للحاكم الجشمي - خ - ج ٢، وابتسام البرق لابن بهران - خ -.
(٥) أنوار اليقين خ ١/ ٧٦، وكتاب (أنوار اليقين) هو في إثبات إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب # لمؤلفه الإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين محمد بن يحيى الهدوي [٦١٦ - ٦٧٠ هـ] إمام، عالم، مجتهد، مجاهد، من أعلام الفكر الإسلامي، برع في جميع الفنون، وفاق الأقران، قام بأمر الإمامة سنة ٦٥٧ هـ، وكانت دعوته بهجرة رغافة في جهات صعدة، وبايعه أكابر علماء عصره، وله مؤلفات منها =