التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة المائدة

صفحة 394 - الجزء 2

  


  المستحق عليه هما {الأَوْلَيَانِ} بأن يشهدا ويعمل بشهادتهما؛ لأنهما قاما من الذين استحق عليهم الحق مقام الصدق، وشهدا عليه بالحق وهو مقام الشاهدين الأولين لو أقاما الشهادة ولم يكتما أو يغيرا، فمقامهما من المشهود عليه هو قيامهما عليه بأداء الشهادة بالحق، فلما تخلف الأولان عن مقامهما من المشهود عليه كان الآخران الأوليين بذلك المقام.

  {فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ} (آخران) مبتدأ، وجملة {يَقُومَانِ ...} إلى قوله: {عَلَيْهِمُ} صفة سوغت الابتداء بالنكرة، والأوليان خبر المبتدأ، و {مِنَ} في قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ} ومجرورها متعلقان بمقامهما وهي (من) التي تحدد المسافة والنسبة، كالحديث: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» وقول عنترة:

  ولقد نزلتِ فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحَب المكرَم

  بناء على أن قوله: (مني) متعلق بـ (نزلتِ) وهو الظاهر عندي، ومنه الآية الكريمة: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}⁣[الأعراف: ٥٦] و {مَقَامَهُمَا} مصدر، أو ظرف مكان.

  {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} تأكيداً لشهادتهما {وَمَا اعْتَدَيْنَا} في شهادتنا على المستحق عليه، أي لم نعتدِ عليه {إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} إنا إذا اعتدينا عليه وشهدنا عليه بما ليس عليه {لَمِنَ الظَّالِمِينَ} تسجيلاً على أنفسهم بالظلم وإقراراً بإثم الظلم إن اعتديا، وهذا من تأكيد الشهادة.

  فإن قيل: كيف يتصور العثور على أن الأولين كتما مثلاً؟

  قلت: إذا شهدا على إقرار الميت ببعض الحق الذي يعلمه الآخران عليه فالمستحق عليهم الورثة، وإذا شهدا على دعوى الميت بعض الحق له الذي يعلمه الآخران فالمستحق عليهم المدعَى عليهم، فالعثور: هو الإطلاع