التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة المائدة

صفحة 405 - الجزء 2

  عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ١١٧ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ


  بطريقة إثبات علم الله به لو كان؛ لأنه {عَلامُ الْغُيُوبِ} ونفى عن نفسه علم الغيب، تحقيقاً لإقراره بأنه ليس بـ (إله).

  (١١٧) {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} لأنك أمرتني أن آمرهم بعبادتك وحدك، فما قلت لهم إلا ذلك المأمور به، وبينت لهم أنك ربي وربهم، فعلينا أن نعبدك وحدك لا شريك لك إن جعلت (أَنْ) مفسرة، فعلى تضمين {قُلْتُ لَهُمْ} أمرتهم وعدل عن لفظ الأمر إلى لفظ القول، ليناسب قوله: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} ليناسب مقام الاعتراف بعبوديته لله تعالى الذي هو مقتضى الحال، فلم يقرن أمر الله له بأمره لهم؛ لأن أمره لهم إنما هو أمر تبليغ عن الله تعالى وليس إلهاً من دون الله سبحانه وتعالى، فقد نفى أنه قال لهم ذلك بوجوه:

  من ذلك قوله: {سُبْحَانَكَ} وقوله: {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} ومن ذلك قوله: {إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ...} إلخ، ومن ذلك قوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} ومن ذلك ما حكاه عن نفسه: {اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} وهذا ينافي دعوى الإلهية، وينافي أمر الناس باتخاذه واتخاذ أمه إلهين من دون الله.

  وإن جعلت (أنْ) مصدريةً، فعلى تأويل: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} بمصدر هو أمرهم بعبادة الله ربي وربهم إن صح ذلك؛ لأن الأصل في {أَنِ} المصدرية أن يكون المعنى على أن تسبك بالمصدر هي والفعل بعدها، والفعل (اعبدوا) فالأصل: ما أمرتني به عبادتهم لله ربي وربهم، أي ما أمرتني بقوله: