سورة المائدة
  
  عبادة الله ربي وربهم، وهذا لم يستقم، ولا يصح تأويل القول بالمقول فيه، مثل: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ}[مريم: ٨٠] لأن الاستثناء للقول الحقيقي المأمور به الذي هو قول عيسى #، لا فعلهم الذي هو عبادة الله وحده.
  فجعل {أَنِ} مفسرةً أولى وإن كانت في لفظ القول، وذلك لأن الحكم يختلف مع التضمين للفظ الآخر إذا روعي التضمين، وقد جعلها مفسرة بناء على التضمين الزمخشري في (كشافه) وهو من علماء العربية، حيث جوَّز جعلها مفسرة على تأويل القول بالأمر، وحسنه ابن هشام في (مغني اللبيب).
  ولا إشكال أن معنى {مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} ما أمرتني أن أقوله لهم؛ لأنه مستثنى من قوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ} غاية ما فيه أنه روعي التضمين باستعمال (أن) المفسرة، وروعي لفظ القول بتعديته إلى المستثنى بنفسه، فروعي اللفظان، كما روعي في قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}[النساء: ٢] التضمين لتضموها المناسب لاستعمال (إلى) مع بقاء معنى الإتلاف أو نحوه مما يعبر عنه بالأكل.
  {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} متحملاً للشهادة عليهم {مَا دُمْتُ فِيهِمْ} معايناً لأعمالهم سامعاً لأقوالهم مشاهداً لهم {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} لم أعلم ما يفعلون، {وَكُنْتُ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} تعلم ما يفعلون لا يخفى عليك شيء منهم {وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} في كل حال، وفي الآية هذه دلالة على أن الشهداء على الأمم هم ممن شاهد أعمالهم فقط، فالرسول ÷ شهيد على أمته الموجودين في عهده الذين شاهدهم، أما من بعده فالشهداء عليهم هم خيارهم المشاهدون لهم.