التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة المائدة

صفحة 407 - الجزء 2

  أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ١١٨ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ١١٩ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١٢٠


  (١١٨) {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ} بسبب شركهم بي وبأمي {فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} ليس لي من أمرهم شيء، بل أمرهم إليك وحدك تحكم فيهم ما تريد {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فلن تكون المغفرة على وجه يخالف عزتك وحكمتك لمجرد إسعاد شفيع متدخل بشفاعته أو نحو ذلك، وعلى هذا ففرض العفو ليس لاحتمال وقوعه، وإنما هو للدلالة على أن أمر العباد إلى الله وحده، وأنه يقضي فيهم بعزته وحكمته، فالمؤمنون يرحمهم بعزته وحكمته.

  قال في (سورة التوبة): {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ...} إلى قوله {... أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}⁣[آية: ٧١] وقال في أعدائه: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا}⁣[النساء: ٥٦] فمن عزته وحكمته رحمة أوليائه، ومن عزته وحكمته تعذيب أعدائه، فلا مغفرة للمشركين إلا على فرض إمكانها من دون مخالفة لعزته وحكمته وذلك لا يكون لأعداء الله؛ لأنه قد ثبت بقوله تعالى: {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا}⁣[النساء: ٥٦] أن مقتضى عزته وحكمته تعذيبهم.

  (١١٩) {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} {قَالَ اللَّهُ} لعيسى # بشارة له بصدقه في الحياة الدنيا: {هَذَا} اليوم {يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} والصادقون: هم الذين صدقوا الله في إيمانهم فوافق