التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الأنعام

صفحة 425 - الجزء 2

  


  وفي (سورة البقرة): {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}⁣[آية: ٨٩] قيل كانوا يستفتحون يطلبون الفتح من الله أي الحكم بينهم وبين الذين كفروا بالنبي الذي يتوقع ظهوره، وفي آية في (سورة البقرة): {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}⁣[آية: ١٠١] وكتاب الله هنا: (التوراة) أو (الإنجيل) أو هما، كأنهم لا يعلمون ما في كتاب الله وما في نبذه وراء ظهورهم، فهي كقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}⁣[البقرة: ٨٩].

  وإذا جعلنا الضمير في قوله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ} لإيحاء القرآن إلى محمد ÷ فلا التفات فيه، أما إذا جعلناه للرسول ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة أو من الخطاب إلى الغيبة، لابتداء الكلام بقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ} وهذا أظهر.

  {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} حقت على أنفسهم كلمة العذاب؛ لأنهم {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}⁣[الحشر: ١٩] {فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} لأنهم قد خذلوا وسلطت عليهم الشياطين وكرهوا الحق وكرهوا النظر النافع وأعرضوا، فصار بينهم وبين الإيمان مسافات بعيدة، وهذا كقوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ}⁣[الزمر: ١٩] فخسارتهم أنفسهم فسادها ومصيرها بحيث لا تصلح أبداً وحقت عليها كلمة العذاب.

  وقوله تعالى: {الَّذِينَ خَسِرُوا} الراجح: أنه خبر لقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} والمراد به: كفارهم المعاندون.