التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الأنعام

صفحة 427 - الجزء 2

  إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ٢٣ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ٢٤ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ٢٥ وَهُمْ


  (٢٣) {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} {ثُمَّ} بعد توبيخهم وامتحانهم بسؤال الله لهم: {أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}⁣[القصص: ٦٢] لم يؤدِّ هذا الإمتحان إلا إلى قولهم: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فالفتنة: الامتحان المذكور وكونه قولهم {وَاللَّهِ رَبِّنَا} تأديته إليه وتسبيبه له، كقوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}⁣[النساء: ١٠].

  وحاصل المعنى: لم يجدوا جواباً عن هذا الإمتحان الشديد إلا جحد الشرك، والقسم بالله والإعتراف بربوبيته، وذلك لشدة الهول عليهم وانقطاع حجتهم.

  (٢٤) {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} {انْظُرْ} في حالتهم التي صاروا إليها من الذلة وسوء الحال التي أدتهم إلى أن يقولوا: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} {وَ} انظر كيف {ضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا} في الدنيا يفترونه، من دعوى نصر شركائهم لهم وشفاعتهم لهم، ونحو ذلك من افترائهم، أي اختلاقهم وكذبهم المتعمد.

  (٢٥) {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} ومن المشركين من يستمع القرآن دانياً {إِلَيْكَ} يا محمد ليسمع لا رغبة في الحق، بل إما لحبِّ الإطلاع لينظر كيف هذا القرآن وهذا في أول استماع، وحبُّ الإطلاع من غرايز الإنسان، وإما للتعجب من فصاحته وحسن بيانه وجمال أسلوبه.