التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الأنعام

صفحة 428 - الجزء 2

  


  {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} قال الراغب: «والكنان: الغطاء الذي يكنّ فيه الشيء، والجمع: أكنة» انتهى.

  وهذا تمثيل كالختم؛ لما أفسدوا قلوبهم وقد خلقها الله قابلة للصلاح والفساد، وصاروا بذلك لا يؤمنون ولا يتفهمون القرآن من حيث دلالة آياته على الحق؛ لكراهتهم لما هو ضد اعتقادهم ودينهم الذي زين لهم وتزيينُ الشياطين لهم الإعراض عن الإهتداء بالقرآن، صاروا كأن بينهم وبين فقه غوامضه ودلالاته النافعة أكنة تحول بين قلوبهم وبين فقهه.

  وفائدة نسبة ذلك إلى الله تعالى: الدلالة على أنهم مستحقون للخذلان؛ بتمردهم، مستاهلون لإرسال الشياطين عليهم عقوبة لهم على تمردهم، كما قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}⁣[الصف: ٥] فهو تعالى غير مبال بهم بل قد أراد خذلانهم، ولما كان خذلانهم كالسبب لبعدهم عن فقه القرآن بحيث أن قلوبهم حين خذلت تواردت عليها أسباب البعد عن الفهم حتى أشبهت ما عليه كنان حائل بينها وبين الفهم أقيم ذلك مقام الخذلان، فنسب إلى الله تعالى للدلالة على أنه غير مبال بهم، وعلى أنهم استحقوا الخذلان الذي صاروا من أجله لا يفقهون، والذي هو عقوبة لهم على تمردهم.

  ونظيره ما يقال لمن أهمل ابنه وسهل لَه الحصول على ما يهواه وأهمله ولم يربِّه تربية الصلاح: أفسد ابنه، ومن فائدة هذه النسبة: تنزيه كلام الله عن مشابهة الشكوى، وأعظم من ذلك التحذير من الخذلان المؤدي إلى أن يصير القلب كأنه في كنان، وقد مرَّ في تفسير {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}⁣[البقرة: ٧] نحو هذا.