سورة الأنعام
  
  {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} أي وجعلنا في آذانهم {وَقْرًا} أي ثِقلاً يمنع السمع وهذا من المجاز واضح؛ لأنهم يسمعون ولكن لا يصغون له إصغاء راغب في الحق، بل يسمعونه وهم له كارهون فشبهوا بمن لا يسمع كما قال الشاعر:
  أصم عن الأمر الذي لا أريده ... وأسمع خلق اللَّه حين أُرِيْدُ
  ولو كانوا لا يسمعونه حقيقة ما كان للأكنة على القلوب معنى، وقد قال تعالى: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ...}[الحجر: ١٢ - ١٣] فدلَّ على أنهم يسمعونه ويصل إلى قلوبهم، ولكنهم لا يقبلونه ولا يهتدون بهداه، فشبهوا بمن لا يفهم ولا يسمع، لحائل بينه وبين الفهم والسمع.
  {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا} لأن قلوبهم فسدت وصارت لا تقبل الآيات، كما ترى الطبيعي الملحد تذكر لَه دلائل الخالق فلا يقبلها كأنها لا تعمل في قلبه شيئاً، والمراد بفساد القلوب: فقدانها لصلاحية الإهتداء بالآيات مع بقاء العقل والسمع والبصر؛ لأن نفوسهم تأباه وتردّه قبل أن ينتفع به القلب، مع بعده عن الإنتفاع بذهاب استعداده له.
  {حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} {حَتَّى} غاية لمدى بعدهم عن قبول الحق أنهم {إِذَا جَاءُوكَ} يا محمد وأنت مصدر الهدى جادلوك بشكل عجيب، هو مجرد الجحود وقول الزور الذي ليس له أي حجة، بل هو واضح البطلان؛ لأن القرآن مخالف لأساطير الأولين في المواضيع وأحكام المواضيع، حيث أنهم أرادوا بـ (أساطير الأولين) أكاذيب سطرها الأولون من المبطلين يتلهى بها السامعون ولا تفيدهم شيئاً، والقرآن {تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت: ٤٢]