سورة الأنعام
  مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ٢٧ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ٢٨ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ
  (٢٧) {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} {وَلَوْ تَرَى} حالهم بعد تكذيبهم وجرائمهم في الدنيا حين أشرفوا على دخول النار وعاينوها فقالوا متمنِّين {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ} إلى دار التكليف والعمل {وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ} فيها {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} لننجو من النار.
  (٢٨) {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} {بَلْ} تجلَّت الحقيقة وكشف الغطاء وعلموا علماً ضرورياً أن الحق هو الإيمان، وأن الباطل ما كانوا عليه، كما قال تعالى: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ}[النحل: ٣٩] وقد كان هؤلاء المتمردون الذين فيهم السياق يعرفون الحق، كما قال في بعضهم: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}[البقرة: ١٤٦] ولكنهم كانوا في غفلة وكبر وهوى حَالَ بينهم وبين الإيمان، وكانوا يخفون معرفتهم؛ لأنهم {يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} فكيف يعترفون به ولم يتمنوا ذلك الذي تمنوه رغبةً في الحق ولكن حبّاً لأنفسهم وخوفاً من النار التي قد أشرفوا عليها - نعوذ بالله - فهم مجدُّون في التمني.
  {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} لأنهم يتبعون هوى أنفسهم، فلو {رُدُّوا} ورجع الإبتلاء والإختبار لمالوا عن الحق لتلك الأسباب الأولى ولأمّلوا أنهم إن رجعوا إلى الله مرة أخرى ردّهم إلى دار الخيار كما ردهم أول مرة فاتخذوها تجربة لإمكان الرد، أو أن بعضهم يؤمل أن سيتوب في آخر عمره حتى يجيئه الموت وهو على كفره. والحاصل: أن الله علام الغيوب قد أخبر بأنهم لو ردوا لعادوا لما نهو عنه، وهو أصدق القائلين.