التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة التوبة

صفحة 230 - الجزء 3

  عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٩ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ١٠ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا


  قلت: يظهر: أن الذمة هنا بمعنى الضمان، مبالغةٌ في الأمان، وزيادة في العهد لتأكيده، فالمشركون لا يرعون عهداً ولا يرعون ذمة إن ظهروا على المسلمين، وكأن عطفها على العهد من الترقي، كأنه لا يرقبون في مؤمن إِلاًّ ولا ذمة، ولا ما هو أقوى منه وهو الذمة إن أعطوكم ذممهم، وهذا خبر الله عالم الغيب بيَّن أنهم إن يظهروا على المؤمنين لا يرقبون فيهم إلاًّ ولا ذمة، فقد بيَّن تعالى بذلك أنه لا عهد لهم باعتبار ما سيكون منهم أي من المشركين إن ظهروا على المؤمنين.

  {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} أي بكلامهم {وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} تمتنع قلوبهم من تطبيق ما قالوا {وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} فسوقاً غير الكفر والشرك خُبثٌ وتعمُّدٌ للفجور، فهم أبعد من أن يوفوا بعهد؛ لأنهم شاركوا المشركين في عقيدتهم وفي كفرهم بآيات الله وامتازوا بأنهم لا يتحرجون من قبيح.

  (٩) {اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} استبدلوا باتباع آيات الله أو بالإيمان بآيات الله {ثَمَنًا} هو الأغراض الدنيوية التي يرون أنها تفوت إن آمنوا واتبعوا آيات الله {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ما أَسْوَأَ {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ما تكرر منهم من العمل الفاحش.

  (١٠) {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} {لا يَرْقُبُونَ} هذه صفتهم التي استمروا عليها واعتادوها فهم لا يردعهم عن النكث إلا الخوف منكم، فأما العهد والذمة فلا يرقبونه ولا يلتفتون إليه، وهذا خبر عن ماضيهم المتصل بالحال فلا تكرار بينه وبين الأول، وهذا من بيان خُبثهم ودفعاً لتوهم أنهم قد راقبوا العهد في الماضي {وَأُولَئِكَ} أهلُ هذه الصفات {هُمُ الْمُعْتَدُونَ} لنقضهم عهد الله عليهم وإصرارهم على نقض العهود.