سورة هود
  
  فالمخاطبون بهذا محتاجون إلى طلب المغفرة من ربهم الذي لا يغفر الذنوب إلا هو، وطلب المغفرة يستلزم التخلي عما يستغفرون منه من الشرك وغيره؛ لأن الطلب الجاد الذي هو المراد شأنه ترك الإصرار على ما يستغفر منه الطالب وإلا كان لغواً وهو خلاف المراد، ولذلك رتب عليه وعلى التوبة {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا} {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}.
  وقوله تعالى: {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أي ثم ارجعوا إليه تشبيه للعبد العاصي بالعبد الآبق، فإذا خرج عن العصيان بالإقلاع عنه والعزم على الطاعة والندم على ما مضى والشروع في الطاعة كان كالعبد الذي كان آبقاً فرجع إلى سيده مطيعاً، فظهر أن التوبة تتضمن الطاعة لله ورسوله، فأفاد الإستغفار النطق بالشهادتين في حق من كان كافراً، وأفاد {ثُمَّ تُوبُوا} الطاعة لله ورسوله وذلك لفوائد:
  الأولى: أفادها قوله تعالى: {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وذلك يتضمن النجاة من العذاب العاجل الذي يتعرض له الكافرون.
  والثانية: الثواب على الإيمان والعمل الصالح والطاعة وذلك هو الفضل الذي به يتفاضل الناس ويؤتونه يوم القيامة بأن يوفوا أجره وهو يعم الواجب وكل قربة وهذا لأنه مع الإستغفار والتوبة يكون مقبولاً بخلاف عمل المجرم فلذلك رتب الوعد المذكور على الإستغفار والتوبة.
  الثالثة: أفادها قوله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} {وَإِنْ تَوَلَّوْا} وإن تدبروا عن الطاعة {فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ} النار وهو عذاب اليوم الكبير يوم القيامة، وصف هنا بأنه كبير، وفي سورة عظيم وذلك لما فيه من القضاء الكبير بثواب لأولياء الله عظيم دائم