سورة هود
  الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٦ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ
  وقوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أي بعد وضوح هذه الحجة هل أنتم مسلمون لله وجوهكم مخلصون لَه العبادة؟ لأنكم قد دعوتم من استطعتم ليعينوكم ممن هو مظنة إسعادكم لمشاركته لكم في الكفر وحرصهم على حماية دينهم وإبطال دين محمد ÷ فأبَوا وهذا طبيعي أن لا يدعوا إلا من هو عندهم مظنة إسعادهم دون المؤمنين.
  (١٥ - ١٦) {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} يريد أن يعيش في هذه الحياة العاجلة {وَزِينَتَهَا} يريد المال والبنين وسائر ما تتزين به الحياة الدنيا من شهواتها، والمراد إرادتها القوية التي تكون أرجح من إرادة الآخرة، فالمعنى من كان يختار ويؤثر الحياة الدنيا وزينتها، بدليل المقابلة بينه وبين من يريد الآخرة في غير هذا الموضع {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} نوصل إليهم ثمرة أعمالهم وفائدتها على ما جرت به سنة الحياة الدنيا تمهيلاً لهم واستغناءً عن عملهم للآخرة فإذا حرث أحدهم وبذر نال ما يناله غيره من الزرع، وهكذا سائر الأسباب وإن إختلف الناس في تحصيل مطالب الحياة بسعيهم، فليس المراد إلا أن اختياره للدنيا وزينتها لا يمنع في الغالب من تحصيل ما جرت به سنة الحياة وأسباب الرزق والمطالب، كما قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا}[الشورى: ٢٠] وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}[الإسراء: ١٨] وما حصل من فائدة عمله فهو توفية عمله قليلاً كان أو كثيراً؛ لأنه ثمرته وفائدته.