سورة هود
  
  وقوله تعالى: {وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} لا ينقصون في الدنيا شيئاً من سعيهم لها، وهذا مطلق مقيد بما إذا استحق عقوبة عاجلة واقتضت الحكمة تعجيلها فهو عارض بالنسبة إلى العادة، وذلك مثل ما أصاب آل فرعون من النقص في الثمرات لعلهم يذكرون، ومثل ما أصاب أصحاب الجنة المذكورين في سورة نون، وما هو مشاهد مما يصاب به الناس في أموالهم مما ظهوره للسامع يغني عن استثنائه في الكلام.
  وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال الشرفي في (المصابيح): «قال الهادي # {أُولَئِكَ} فهم الأوَّلون المذكورون بالميل إلى الدنيا وزينتها والرضى بما فيها من زخرفها دون ما هو خير منها، فأخبر الله سبحانه أنه لا نصيب لهم في الآخرة ..» إلخ.
  وفي هذه الآية دلالة على أنهم لا يدخلون الجنة ولا يخرجون من النار، وقوله تعالى: {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} أي حبط في الآخرة ما صنعوا في الدنيا فلم ينفعهم في الآخرة وإن كان من عمل الخير كالإحسان إلى الناس والأعمال الدينية التي لم يعملوها إلا للعادة والعرف وللحذر من أن يعيب الناس عليهم تركها لا للتقرب إلى الله والإخلاص لَه أو كانت مقرونة بالجرائم والإصرار عليها فلم تكن مقبولة.
  وقوله تعالى: {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الباطل هنا مثله في قول موسى: {إِنَّ هَؤُلاَءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف: ١٣٩] فالمراد: أن عمارة الدنيا وخدمتها التي ضيعوا أعمارهم فيها وأتبعوا أنفسهم فيها قد ضاعت وصارت كأن لم تكن من حيث بطلان نفعها ومصيرها كالأحلام، وهاتان الآيتان تضمنتا وعيد القائلين: {افْتَرَاهُ} لأن الباعث لهم على الكفر إيثار الدنيا وزينتها.