التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة يوسف

صفحة 598 - الجزء 3

  الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ ١٠٩ حَتَّى إِذَا


  وقوله تعالى: {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} أي اتبعني في ديني الذي أدعو إليه فهم يدعون إلى الله، وقوله: {عَلَى بَصِيرَةٍ} أي على علم يقين بأني على الحق؛ لأني على بينة من ربي وكذلك من اتبعني في ديني الذي هو دين الله فهو على بصيرة من ربه؛ لأنه على بينة من ربه وهي هذا القرآن، فهم في دعوتهم إلى الله على بصيرة، وهي مستمرة بعد وفاة الرسول ÷ ممن اتبعه، وعملوا بقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}⁣[آل عمران: ١٠٤].

  (١٠٩) {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ} {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا} لم نرسل إلى الأمم ملائكةً كما يقترح الكفار {نُوحِي إِلَيْهِمْ} لا يعلمون الغيب بل صحت رسالَتُهم وأمكنت بالوحي {مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} ليكونوا معروفين بين أهل القرى، أما البدو فقد يكونون مجهولين لا يعرفهم إلا القليل من الناس.

  وأما نبي الله يعقوب إن كان رسولاً فلعله كان من أهل القرية، ثم هاجر عنها لما لم يؤمنوا به كما هاجر إبراهيم # وكذلك يوسف # أرسل إلى أهل مصر بعد أن صار منهم، وأما إخوته فلم يثبت أنهم من الرسل، وإن صح أنهم صاروا أنبياء بعد توبتهم فلم يصح أنهم رسل، والله أصدق القائلين، قد أخبر بأنه لم يرسل إلا من أهل القرى.

  {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أفلم يسِرِ المكذبون بك يا رسول الله في الأرض فيروا آثار الذين من قبلهم حيث كانوا ساكنين فينظروا كيف كان عاقبتهم بسبب تكذيبهم لرسلهم ففيهم