التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة النحل

صفحة 175 - الجزء 4

  لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ١٢ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ١٣ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا


  (١٢) {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} قال في (الصحاح): «كلَّفه عملاً بلا أجرة، ثم قال: والتسخير: التذليل» انتهى باختصار، وفي (مفردات الراغب الأصبهاني): «التسخير: سياقة إلى الغرض المختص قهراً» انتهى.

  ولعلَّه جمع الحقيقة، والمجاز: أي هو الذي يأتي لكم بالليل لتسكنوا فيه والنهار لتبغوا من فضله وذلَّلهما لهذا كل يجري في وقته لا يتخلف وسخر الشمس لمنافع الناس تأتي بقدر ثم تغيب عنهم وعليها حساب السنين الشمسية، والقمر عليه حساب الشهور والسنين القمرية.

  {وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} كأنه يأمرها أن تسير على نظامها المحدد وعلى قراءة (رفع) النجوم ومسخرات، قد عدل بها عن سياق ما قبلها ولعله للنص على أنها مسخرة مذللة بأمر الله خلاف ما يزعم عباد النجوم، أما على (النصب) لهما فزيادة مسخرات الدالة على أنها مذللة منقادة لأمر الله ترد على المنجمين والعطف على الليل والنهار وما بعدهما يفيد تسخير النجوم للإنسان، فكأنه تعالى يقول وسخر لكم النجوم في حال أنها مسخرات بأمره لا تمتنع من تسخيره لها بأمره؛ لأنه ربها المسخر لها.

  وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي المذكور من تسخير الليل والنهار وما بعدهما للناس {لَآيَاتٍ} أي دلائل على أن الله ربَّ العالمين المستحقُّ للعبادة وعلى قدرته وعلمه وغير ذلك من صفاته وعلى فضله على الناس وعظم نعمه عليهم.