التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة النحل

صفحة 177 - الجزء 4

  


  وقوله تعالى: {وَتَرَى الْفُلْكَ} أي السفائن مواخر فيه أي في البحر وهي آية ونعمة لأن نفعها بتسخير البحر وإرسال الريح الطيبة تسوقها وتشق بها الموج على البحر، فإن كان المخر هو كما قال (صاحب الصحاح) «مخرت السفينة تمخَرُ وتمخُرُ مَخراً ومُخُوراً: إذا جرت تشق الماء مع صوت، ومنه قوله تعالى: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} يعني جواري» انتهى، أو كان معنى {مَوَاخِرَ} خالية كما في كتاب (الدليل الكبير) للإمام القاسم [ص ٦٠/خ].

  وحكاه الشرفي في (المصابيح) عن الحسين بن القاسم عن الإمام القاسم بن إبراهيم، ولفظ كتاب (الدليل الكبير): «وحمل سبحانه على ظهورها - أي البحار - مع خلافه بينها في أمورها الفلك المشحون السائر وردها بعد التفريغ فيه مواخر ليعلم من عجيب تدبيرها وباختلاف الحال في مسيرها، إذ تسير شاحنة ماليَة كما تسير ماخرة خالية، وإذ تسير بحاليهما جميعاً في أجاج البحار كما تسير بهما في فرات الأنهار إن لها لمسَيِّراً لا تختلف في قوته الأشياء، ومدبّراً قوياً لا تساويه الأقوياء ..» الخ.

  وهو كلام مفيد ويقرّب له في تفسير المخر قول (صاحب لسان العرب): «ومخر البيت يمخره مخراً: أخذ خيار متاعه فذهب به ومخر الغُرْزـ كذا - الناقةَ، إذا كانت غزيرة فأكثِر حلبها وجهدها ذلك وأهزلها» انتهى.

  وعلى هذا يكون معنى {مَوَاخِرَ}: ممخورات، كأنه على النسب أي ذوات مخر، والراجح الأول هنا وإن كان صحيحاً في اللغة، وذلك لأمرين:

  الأول: أن الآية الظاهرة في جري الفلك؛ ولذلك قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ}⁣[الشورى: ٣٢].