التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة النحل

صفحة 178 - الجزء 4

  رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ١٥ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ١٦ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ


  الثاني: أن ذكر فراغها لا يفيد أنها تجري لأنها مع فراغها قد تقف لانتظار حمولة أو راكبين، ولو قال: وترى الفلك تجري مواخر لصح ذلك؛ ولأن الله تعالى قال: {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} والإبتغاء من فضله بجري الفلك في البحر، وفي (تفسير الإمام زيد بن علي @): «{وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} وهي السفن التي تشق الماء شقّاً ذاهبة وجائية» انتهى.

  وقوله تعالى: {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} ابتغاء الحاجة: التوصل إليها وهذا يفيد نعمة تيسير السفر لتحصيل الحاجات وهو يدل على شرعية السفر لغير الثلاثة المساجد، وأن الحديث في شد الرحال إنما هو في السفر للصلاة في المسجد الذي يسافر إليه فلا تشد الرحال لهذا الغرض إلا إلى الثلاثة المساجد، فأما لغير الصلاة فلا مانع، وقوله تعالى: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي تشكرون هذه النعمَ فتعبدوا الله وحده، أو هذه النعم وسائر نعم الله عليكم.

  (١٥ - ١٦) {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ۝ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} وهو الذي {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} الإلقاء: الطرح بقوة، وفي هذا تمثيل لقدرة الله تعالى أي بيان لعظمها، كأنه ألقى الجبال في الأرض وطرحها، وهو يناسب جعل الجبال راسخة في خلال الأرض.

  وقوله {رَوَاسِيَ} أي جبالاً رواسي ثابتات في أماكنها، وقوله: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أي لئلا تميد بكم، قال الراغب في (المفردات): «الميد: اضطراب الشيء العظيم كاضطراب الأرض» انتهى.