سورة الإسراء
  قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ١٦ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ
  وقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أي لا تحمل حاملة ذنب أخرى سمي الذنب وزراً لثقله على صاحبه، ورشح بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ} كما في قوله تعالى: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ}[الأنعام: ٣١] فدلت على أن ذنب الإنسان لا يعذَّب به غيره، فلا يعذب الطفل بذنب أبيه، وأما وقوع العذاب العاجل على الكفار ووقوعه على أولادهم فليس عقوبة للأولاد وإنما هو كالأمراض والموت الذي يلحق أولاد المؤمنين فما لحق أولاد الكفار فلهم عوضه يوم القيامة، ونظيره ما يلحق أولاد المؤمنين من الأمراض والمصائب فلا يضيع عليهم شيء من كل ضر نالهم في الدنيا.
  وقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} أي نبعث رسولاً لينذر أهل العقول ويبشر، كما قال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٥] وقوله تعالى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}[الأنفال: ٤٢].
  (١٦) {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} بجرم أهلها واستحقاقهم للهلاك العاجل لفسادهم {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أمراً فيه اختبارهم وابتلاؤهم، فكان هذا الأمر سبباً لفسقهم؛ لأنهم يستكبرون عن طاعة هذا الأمر أو يغلبهم هواهم، والمترفون هم أبناء الدنيا المتنعمون المتبعون للشهوات ورفاهية العيش، قال الراغب في (المفردات): «الترفُّه: التوسع في النعمة، يقال: أترف فلان فهو مترف» انتهى.