التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 282 - الجزء 4

  


  وذلك أن المترفين لم يتعودوا الصبر على مشقة بل تعودوا الراحة والتلذذ فإذا أمروا بما يشق عليهم ثقل عليهم، وأيضاً المترفون يكونون أهل ثروة يعظمهم الضعفاء من أجل حاجتهم إليهم ولذلك إذا جاءهم الرسول أو الداعي إلى الله خافوا على مكانتهم في قومم أن تذهب ويصيروا مثل ضعفائهم في قومهم فلذلك يكون المترفون هم أسرع إلى العصيان والفسق ويكون الضعفاء لهم تبعاً.

  وقوله تعالى: {فَفَسَقُوا} أي أجرموا وخبثوا وأعلنوا معاندة الحق والفساد في الأرض وهذا الأمر لعله مثل أمر أصحاب القرية بواسطة الصالحين منهم بترك التعدي في السبت مع أن حيتانهم تأتيهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، فالأمر هذا ليس الأمر السابق عند دعوتهم وإقامة الحجة عليهم ولكنه أمر ابتلاء بسبب المعاصي السابقة، كما قال تعالى في (أصحاب السبت): {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}⁣[الأعراف: ١٦٣] وكما أمر (قوم صالح) بترك ناقة الله تأكل في أرض الله: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}⁣[الشعراء: ١٥٥] وهذا أمر يغيظم لأنها آية مبصرة لصدق نبيهم وهم لا يريدون أن تبقى له آية بينة مستمرة.

  وكأمر فرعون بالإيمان بموسى حين بطل سحر السحرة بإلقاء موسى عصاه فغضب فرعون ولم يبقَ لَه حجة فعدل إلى تهديد المؤمنين وحشَر قومه لإهلاك موسى وأصحابه، فهذا الفسق ظاهر زائد على فسقه الأول وكذلك فسق الذين عقروا الناقة، ومن أمثلة ذلك أمر لوط قومه بتقوى الله وأن لا يخزوه في أضيافه فازداد عنادهم وقالوا أولم ننهك عن العالمين، وأصروا على المطالبة بتسليم أضيافه حتى عاجلتهم عقوبة طمس أعينهم، فهذا هو الراجح في معنى الأمر المذكور هنا.