التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 284 - الجزء 4

  وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ١٩ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ٢٠


  وقوله تعالى: {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ} أي من أغراض الحياة العاجلة ومطالبها، وقوله تعالى {لِمَنْ نُرِيدُ} بدل من قوله: {لَهُ} أي عجلنا لمن نريد أن نعجل لَه. وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ} أي جزاء {يَصْلَاهَا} يباشرها وقوله تعالى: {يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} حالين حال بعد حال أي يصلاها حال كونه مذموماً بعصيانه لربه وكفر نعمته عليه وحال كونه مدحوراً مبعداً ملعوناً لا يُرحم.

  (١٩) {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ} آثر الحياة الآخرة وهي حياة الناجين من عذاب الله الفائزين برحمة الله ورضوانه، فإرادته لها أن تكون في نفسه أرجح من أغراض الدنيا، بل وأرجح من الحياة الدنيا بحيث إذا تعارضا لم يرجح العاجلة بل يؤثر طاعة ربه وتقواه، فمتى وجب عليه الجهاد في سبيل الله بنفسه وماله جاهد في سبيل الله بنفسه وماله ولم يمنعه خوف القتل ولا خوف الفقر وهكذا كلما تعارض غرض دنيوي وطاعة الله تعالى.

  وقوله تعالى: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} أي وسعى للآخرة سعيها الذي هو التقوى والعمل الصالح، وقوله تعالى: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} شرط في قبول السعي للآخرة فلا قربة لكافر ولا لفاسق مصر على فسقه؛ لأنه غير مؤمن {فَأُولَئِكَ}: أهل الصفات الثلاث {كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} يشكره الله بكرمه، كما قال تعالى: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}⁣[البقرة: ١٥٨] وهذا تعبير بليغ لإفادة نفع هذا السعي للساعي.